في الوقت الذي تريد فيه السعودية تزويد الثوار السوريين بالسلاح، يستمر النظام السوري في الهجوم العنيف على مدينة حمص. الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط فولكر بيرتس يرى في الأمر مأزقاً سياسياً وأخلاقياً.
دي دبليو: طالب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمر "أصدقاء سوريا" أواخر شهر فبراير/شباط الماضي بتزويد الثوار السوريين بالأسلحة. لماذا تريد السعودية الآن تسليح المتمردين السوريين؟
فولكر بيرتس: ترى السعودية، كما يبدو، أنه لا يمكن تجنب وقوع حرب أهلية، وتراهن على قرار بذلك. وفي الوقت نفسه تنطلق السعودية بالدرجة الأولى من مشكل جيوسياسي تكون هي نفسها طرفا فيه: مشكل جيوسياسي متعلق بصراع القوى في منطقة الشرق الأوسط مع إيران والحد من التأثير الإيراني في المنطقة.
هذا يعني أن السعودية تريد من خلال ذلك إزاحة إيران من المنطقة؟
يشكل النظام السوري الحالي بالنسبة لإيران الحليف الوحيد والحقيقي في العالم العربي، وسوريا من المنظور الإيراني أيضا هي حليف يعتمد عليه. كما أن سوريا في الوقت نفسه تشكل قنطرة استراتيجية بالنسبة لإيران فيما يخص تزويد حزب الله في لبنان بالمعدات العسكرية واللوجيستية. كل هذه الأشياء ستتغير إذا ما تغير النظام في سوريا. وهذا مصدر اهتمام السعودية.
حسب بعض التقديرات سقط أكثر من 7500 قتيل منذ بداية الاحتجاجات في سوريا في العام الماضي. ألا تعتقد أن المزيد من الأسلحة سيزيد نار الصراع اشتعالاً؟
نحن في الواقع في مأزق سياسي ومأزق سياسي– أخلاقي، لأن المعارضين، وبالخصوص أعضاء الجيش السوري الحر - المتكون بشكل كبير من المنشقين عن الجيش النظامي السوري- ليسوا مسلحين بالشكل الكافي. ويقولون: كان من الممكن أن نوقف الدبابات التي تقصف في الوقت الحالي حمص، لو كان بحوزتنا أيضا دبابات أو قذائف. لا يمكننا من خلال التسليح المضي في العنف، ولكن يمكننا أن نحمي بشكل أفضل بعض أجزاء المدن المحاصرة التي تعرضت للقصف. غير أنني أرى أن النظام السوري هو الذي يريد حربا أهلية حقيقية يكون فيها المعارضون مسلحين بشكل جيد. ففي الحرب الأهلية هناك طرفي صراع، وبالتالي سيكون المجتمع الدولي مضطرا لاتخاد نفس المسافة من الجانبين معا. حينها سنتكلم عن وساطة بين الطرفين، ولن نكون أمام وضع يكون فيه نظام مدجج بالسلاح يقمع شعبا متمرداً.
هل هناك أي طريقة تدفع الأسد إلى التخلي عن الحكم، وبالتالي إيجاد نهاية للعنف المستمر؟
أعتقد أن الأسد في الوقت الحالي ينوي أن يستمر في القتال إلى جانب عائلته وبعض جنرالاته من الأمن السري الذي يعتمد عليهم. ويبدو أنه يعتقد إلى حد الآن أنه سينتصر في النهاية. لكن على المستوى السياسي والاقتصادي فقد خسر الأسد منذ فترة طويلة: اقتصاد البلد في تراجع، ولا عودة في الأفق إلى الوضع العادي الذي عرفته سوريا قبل انطلاق الاحتجاجات. هذا يعني أنه حتى لو استمر في الانتصار عسكريا على الشعب الأعزل، فقد باتت نهاية النظام قريبة. كم سيتطلب ذلك من الوقت؟ هذا هو السؤال المطروح الآن، ويبدو أن جزءاً من المشكلة هو أن النظام في دمشق ما زال يعتقد أن باستطاعته أن ينتصر، ويعيد توازنه السياسي.
لكن ماهي حظوظ المبعوث الأممي الخاص كوفي عنان في الوساطة، وأنت تقول أن نظام الأسد يُصعّد الوضع حتى تندلع حرب أهلية؟
أعتقد أن الوساطة ليست ملائمة في الوقت الحالي. ينبغي الآن مطالبة نظام الأسد بالحفاظ على أبسط المبادئ الإنسانية. إنها أيضا إحدى أولويات مهمة كوفي عنان. المنظمات الإنسانية الدولية كالصليب الأحمر أو الهلال الأحمر ينبغي أن تدخل المدن المحاصرة، حتى تزود الناس بالمواد الغذائية والأدوية، كما ينبغي نقل الجرحى والمصابين. من الممكن أن يأتي اليوم الذي يدرك فيه الأسد أنه لا عودة إلى الوراء، وهنا يأتي السؤال: هل من الممكن طرح حل كالحل اليمني، أي أن يقبل الأسد بالمنفى كحل، مقابل عدم محاسبته جزائياً وحيازته لبعض المال وجزء من ممتلكاته وممتلكات عائلته؟ ينبغي على المرء أن ينتظر، إن كان من الممكن إقناعه بذلك. وهنا تكون روسيا بطبيعة الحال شريكاً مهماً في هذه العملية.
فولكر بيرتس خبير ألماني في شؤون الشرق الأوسط، ومدير مؤسسة السياسة الدولية والأمن في برلين.
الخميس مارس 22, 2012 10:28 am من طرف الكنج