قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن المخاوف من اندلاع حرب فى الشرق الأوسط ألقت بظلالها على آفاق المنطقة التى احتفلت بمرور عام واحد على سقوط القادة الديكتاتوريين وتصاعد مبدأ حكم الشعب وبزوغ نجم عصر جديد وواعد من الديمقراطية، مشيرة إلى أن هذه الحرب لم تتضح معالمها إلى هذه اللحظة.
وسلطت الصحيفة الضوء - فى سياق تقرير أوردته اليوم الأحد على موقعها الإلكترونى - على ملامح الحروب التى قد تشهدها المنطقة فى الفترة المقبلة، حيث ذكرت أن التهديد الإيرانى بإغلاق مضيق هرمز رفع من أسهم نشوب صراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران فى منطقة الخليج، كما فتحت التهديدات الإسرائيلية بقصف منشآت طهران النووية الباب على مصراعيه أمام احتمالات نشوب حرب إقليمية.
وتابعت الصحيفة بالقول: "إن الأمر الأكثر إثارة للقلق فى المنطقة هو وجود شكوك ولو بسيطة بأن سوريا أصبحت على أعتاب حرب أهلية، وهى الحرب التى من المحتمل أن تحمل تداعيات عميقة ومثيرة للقلق لما هو أبعد من الحدود السورية"، مستشهدة بالوضع فى مدينة حمص التى تشهد قصفا مكثفا نتج عنه مشاهد ملطخة بالدماء نقلتها شاشات التليفزيون ومقاطع الفيديو على موقع يوتيوب.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أنه على الرغم من أن أمر نشوب حرب واسعة النطاق ليس مؤكدا فى كل الأحوال فإن عام 2012 يثبت فعليا أن الآمال والطموحات التى حملها العام السابق تسير فى نفق مظلم، حيث تصطدم مطالب الشعوب بمزيد من الحريات بالأجندات المتنافسة للقوى الكبرى فى المنطقة الأكثر اضطرابا.
وعقدت الصحيفة مقارنة بين الأوضاع فى دول الربيع العربى، فقالت إن دول شمال أفريقيا الثلاث تونس ومصر وليبيا - وإن واجهت بعض العثرات - تسير على نهج بناء الديمقراطيات الجديدة التى قد تبدأ فى أن تؤتى ثمارها بعد عام من الإطاحة بقادة الدول الثلاث.
واستشهدت الصحيفة على ما سبق بما نقلته عن مدير مركز كارنيجى بمنطقة الشرق الأوسط باول سالم، حيث أكد على وجود مسارين مختلفين لدول المنطقة، فشمال أفريقيا يسير نحو المزيد من الديمقراطية، بينما تتجه دول لبنان وإسرائيل وسوريا والعراق إلى المجابهة والصراع الطائفى، وهو المسار الأشد ظلمة والأكثر كآبة بحسب تعبيره.
وانتقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية - فى تقريرها - إلى الشق الأسيوى من العالم العربى لتقول إن صحوة الطموحات الديمقراطية فى دول تلك المنطقة أثار خلافات قديمة وأحقادا حديثة، واصفة الأوضاع المتأزمة فى دول المنطقة بشبكة متقاطعة من خطوط التصدع والتى قد ينهار أحدها فيؤدى إلى انهيار الشبكة بأكملها، ونقلت الصحيفة - فى هذا الصدد - عن مواطنة سورية تعيش فى بغداد قولها: " أى مكان فى هذه المنطقة قد يشهد انفجارا فى أى وقت ودون معرفة الأسباب، المنقطة بأسرها قابلة للاشتعال".
وأوضحت الصحيفة أن مركز الأزمات فى الجزء الشرقى لمنطقة الشرق الأوسط يقبع حاليا فى سوريا، وهى الأكثر قابلية لحدوث الانفجار، فالثورة السورية بدأت قبل نحو عام بطابع سلمى لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد لكنها تحولت مؤخرا إلى صراع واسع لفرض النفوذ.
وقالت إنه بخلاف دول ليبيا وتونس ومصر التى ضمنت أوضاعها الإقليمية عدم خروج تبعات ثوراتها عن حدود كل منها، فإن سوريا تمثل مركز ربط بين شبكة من الحلفاء الاستراتيجيين والمصالح الجيوسياسية والنزعات الدينية، وهى العوامل جميعها التى قد تتحكم فى دفع النظام هناك للسقوط.
وأضافت الصحيفة الأمريكية، أن رصيد الرئيس السورى بشار الأسد الوحيد والذى عرف عنه وعن أبيه من قبل هو مواقفهما ضد الغرب، وبالنظر إلى علاقات دمشق بحزب الله وحركة حماس، وروابطها القوية مع طهران فإن نظام الأسد أجبر على الوقوف فى الجبهة الأمامية لصراع على فرض النفوذ فى بلاده.
ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية العراقى هوشيار زيبارى قوله - فى هذا السياق - "إن تغيير النظام فى سوريا له تأثير على فلسطين ولبنان والعراق والأردن وأماكن أخرى، لذا فإن كل دولة من هذه الدول لها موقفها النابع عن مصلحتها من الأحداث فى سوريا".
وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى روسيا بصفتها إحدى القوى ذات الصلة بالموقف فى سوريا، موضحة أن موسكو التى شعرت بأنها خدعت من قبل الغرب فيما يتعلق بالأزمة الليبية تقف حاليا بكل صلابة للدفاع عن الرئيس السورى بشار الأسد، لتعلن أنها لن تسمح لجهود التحالف الذى تقوده واشنطن بطرد حليفها بالشرق الأوسط من مكتبه.
وقالت الصحيفة، إن حق النقض الذى استخدمته كل من الصين وروسيا مؤخرا ضد قرار أممى بشأن سوريا، ومحاولات موسكو المستميتة لفرض النتائج التى تريدها على الأزمة السورية، أعاد إلى الأذهان ذكريات عصر الحرب الباردة والصراع المبكر بين الاتحاد السوفيتى السابق والولايات المتحدة الأمريكية على فرض سيطرتهما على منطقة الشرق الأوسط.
ولفتت الصحيفة إلى أن مجموعة من الصراعات ذات البعد التاريخى تتحكم فى الأزمة السورية، منها صراع السيادة بين الغرب وإيران، والصراع الدينى بين السنة والشيعة، والصراع بين العرب والفرس. وأوضحت الصحيفة أنه فى حال تولى الأغلبية السنية لمقاليد الحكم فى سوريا فإن دمشق ستتحول إلى مركز ربط للتحالف السنى بين الجنوب المتمثل فى المملكة السعودية والشمال المتمثل فى تركيا، كما ستمثل نقطة انفصال للكتلة الجغرافية الشيعية الممتدة من طهران شرقا إلى الجنوب اللبنانى جنوبا مرورا ببغداد ودمشق، على حد قول الصحيفة.