يقدم آلاف الأشخاص على الهرب من الملاحقة والتعذيب في أوطانهم الأصلية، لكن عدداً قليلاً منهم فقط ينجح الوصول في نهاية المطاف إلى أوروبا عن طريق البحر المتوسط،. والمنظمات الدولية تنتقد تعامل سلطات الدول الأوروبية مع قضيتهم.
تقدر منظمة العفو الدولية عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم عام 2011 فقط خلال هربهم عن طريق البحر الأبيض المتوسط بـ1500 شخص. وكما يؤكد الأمين العام للفرع الألماني للمنظمة فولفغانغ غرينتس، "فإن سياسة دول الاتحاد الأوروبي لرد اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط، تشكل في حالات كثيرة انتهاكاً لحقوق اللاجئين الدولية والميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان".
من المسؤول؟
في نيسان/ أبريل عام 2011 قضى قرابة 200 شخص غرقاً في مياه البحر الأبيض المتوسط بعد غرق سفينتهم. ورغم أن السلطات المالطية تلقت طلبات لتقديم الدعم، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات لإنقاذهم، إذ اعتبرت أن السفينة كانت أقرب من إيطاليا. وعندما وصلت سفينة إيطالية في نهاية المطاف إلى مكان الحادث، لم يكن ممكناً إلا إنقاذ 47 شخصاً.
هذا وضع لا يمكن احتماله، كما يقول فولفغانغ غرينتس. "لا يجوز أن يفقد أناس حياتهم فقط لأن دولتين من دول الاتحاد الأوروبي لا تتمكنان من الاتفاق بشأن على من تقع مسؤولية إنقاذهم".
قبل أسابيع قليلة من هذه المأساة فقد 63 لاجئاً حياتهم في البحر الأبيض المتوسط، إذ وقعت سفينتهم في وضع صعب بعد نفاذ البنزين والمواد الغذائية على متنها. ومات ركاب السفينة جوعاً وعطشاً، إذ لم تقدم أي من السفن لصيد الأسماك والسفن العسكرية، التي مرت بمكان الحادث، يد المساعدة إليهم.
لا يجوز أن يتكرر مثل ذلك، كما يقول الأمين العام للفرع الألماني لمنظمة العفو الدولية، إذ يجب احترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي مثل مبدأ إنقاذ الذين وقعوا في البحر في وضع خطير احتراماً غير محدود".
"أوروبا تشارك في تحمل المسؤولية"
يدين مدير مؤسسة "برو أزول" لحقوق الإنسان غونتر بوركهاردت إهمال أوروبا لمسألة اللاجئين، مشيراً إلى أن "أوروبا تشارك في تحمل المسؤولية عن موت هؤلاء الناس"، فإيطاليا ومالطا واليونان بشكل خاص تتجنب تنفيذ مهماتها في هذا المجال المنصوص عليها في الاتفاقات الأوروبية، كما تقول منظمة العفو الدولية ومؤسسة "برو أزول"، فإيطاليا تعرض لاجئين من خلال إبعادهم إلى ليبيا لخطر المعاناة من انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان. وألمانيا تواجه هذا الأمر بالصمت.
تسلمت غيرغيشو يوهانيس قبل بضعة أيام على جائزة حقوق الإنسان لعام 2012 التي تقدمها مؤسسة "برو أزول"، إذ أن هذه المرأة الشابة التي هربت بنفسها كبنت قاصر من اريتريا إلى ألمانيا، تعمل بشكل دؤوب من أجل تكريم ذكرى الذين فقدوا حياتهم عند حدود أوروبا الخارجية وحصول الناجين على العدالة. وكان أخوها آبيل (آنذاك في العشرين من عمره) بين 77 لاجئاً هلكوا عام 2009 جوعاً وعطشاً في البحر الأبيض المتوسط بعد سفر استغرق أسابيع، إذ لم يكن هناك من وجد نفسه مسؤولاً عن مصيرهم.
لقرابة ثلاثة أسابيع بقى القارب المطاطي المليء باللاجئين يجوب البحر بين ليبيا وإيطاليا ومالطا، وقال الناجون منهم إنهم شاهدوا يومياً سفناً تمر بالقارب من دون تقديم المساعدة لركابه. وزودت سلطات مالطا في نهاية المطاف آخر الناجين الخمسة بأطواق نجاة ودلتهم على الاتجاه إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
دعوى قضائية
قدمت غيرغيشو يوهانيس بعد موت اللاجئين في البحر إلى الادعاء الإيطالي دعوى قضائية بسبب عدم تقديم يد المساعدة إليهم. وكانت قد أقامت قبل ذلك اتصالات مع أفراد أسر الضحايا وأصدقائهم لتأسيس جمعية مصالح بهذا الشأن. عن ذلك تقول يوهانيس: "قلنا لأنفسنا إنه يجب أن نتحد، كي تصبح هذه المأساة معروفة دولياً، إذ لا يمكن قبول مثل ذلك، فالأمر هنا يدور حول حياة بشر".
وتوضح غيرغيشو يوهانيس أن السلطات الإيطالية بقيت مترددة في ردها على الدعوى القضائية. وفي مالطا لم يبد أي محام استعداده للترافع في قضية ضد السلطات المختصة.
تنتقد منظمة العفو الدولية ومؤسسة "برو أزول" معاملة السياسيين الألمان للاجئين من سوريا، لأن هناك تناقضاً بين أقوالهم وأفعالهم، فبالنظر إلى الوضع المأساوي المستمر في سوريا لابد من حصول اللاجئين السوريين في ألمانيا على حق الإقامة في البلاد. ورغم أن ألمانيا قررت وقف إبعادهم لمدة ستة أشهر، إلا أن ذلك لا يضمن أمنهم قانونياً، "فمن لا يتمتع بأي حقوق لا يعيش في ظل الأمن"، كما يقول فولفغانغ غرينتس.
"خطوة صغيرة إلى الأمام"
من جهة أخرى ترحب منظمة العفو الدولية ومؤسسة "برو أزول" مشاركة ألمانيا في برنامج إعادة التوطين لمنظمة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين، إذ من المقرر أن تستقبل ألمانيا في السنوات الثلاث القادمة 300 لاجئ كل عام. وقد وصل حتى مستهل هذا الشهر 200 لاجئ من دفعة السنة الجارية إلى البلاد. وكما يقول فولفغانغ غرينتس، فإن "هذا القرار الذي اتخذته ألمانيا أخيراً، يشكل خطوة صغيرة إلى الأمام. إلا أن هذا لا يكفي".
وافقت ألمانيا على استقبال عدد قليل من اللاجئين فقط بالمقارنة مع السويد التي تعهدت في إطار تنفيذ برنامج إعادة التوطين الدولي باستقبال 1800 لاجئ، والنرويج التي تستقبل 1000 لاجئ. وأكدت منظمات حقوق الإنسان أن مشاركة ألمانيا في برنامج إعادة التوطين الدولي وإصدار آخر حكم بشأن المساعدات المالية لطالبي اللجوء السياسي ينص على أنه يجب أن تضمن هذه المساعدات الحد الأدنى لنفقات معيشتهم، ما يشكل "خطوتين مهمتين أوليين تضمنان للاجئين مستقبلاً في ظل الأمن".
ويأمل الأمين العام للفرع الألماني لمنظمة العفو الدولية في "أن ننجح خلال مدة غير بعيدة في تأمين تغيير أيضاً في مجال السياسة الأوروبية تجاه اللاجئين".