عرفت الخبرة الفرنسية في مجال تقويم التراث وتنظيم المدن شهرة كبيرة منذ فترة طويلة على الصعيد الدولي. ويقوم معماريو أبنية فرنسا أثناء أداء مهامهم في مجال حماية التراث المعماري في المدن والمناظر، بتعميم خبراتهم في القارات الخمس : من الصين إلى هايتي مرورا بالهند وسوريا وروسيا.
قام تاريخ الثقافة والهندسة المعمارية الفرنسية على أساس التبادل والمشاركة؛ ومنذ قرن ونيف، ينقل معماريو أبنية فرنسا خبراتهم المتفوقة وروح الابتكار إلى ما وراء الحدود.
يمثل معماريو أبنية فرنسا وحماة التراث المعماري الفرنسي، الدولة على سائر الأراضي الفرنسية، إذ تهدف مهمتهم إلى تقديم النصيحة بشأن المباني والإشراف عليها وحفظها. توجّه إليهم الدعوات من خارج فرنسا من أجل تحديد سياسات تقويمية للتراث في المدن وللمساهمة بشكل خاص في إعداد التوجهات بشأن تنظيم السكن في الأحياء الفقيرة من الضواحي البائسة. ويقدمون خبراتهم في إعادة إعمار المباني أو ترميمها، في إطار مهام تعاونية وإنمائية.
في يناير / كانون ثاني 2010، ضرب زلزال عنيف بدرجة 7.3 حسب سلم ريختر، جزيرة هايتي وألحق بشكل خاص أضرارا جسيمة في التراث المعماري في العاصمة، بور-أو-برنس، المؤلف من أبنية رسمية ومن أماكن للعبادة وللتعليم. فأعلنت حالة الطوارئ من أجل إعادة الاعمار. "قام ثلاثة من معماريي أبنية فرنسا بزيارة إلى هايتي من أجل توفير المساعدة والخبرة، فقد تضرر قصر الوزارات بشكل كبير. تمثلت مهمتنا بعملية مسح للمحفوظات وللأبنية، وكذلك رافقنا أيضا مشروع منظمة مكتبة بلا حدود التي تسعى إلى بناء مكتبة جامعية تحوي 150 ألف كتاب". حسب تصريح فريديريك أوكلار رئيس الجمعية الوطنية لمعماريي أبنية فرنسا، الذي يضيف: "من جهة أخرى، حظيت منظمة تراث بلا حدود بدعم من مؤسسة الأبنية الفرنسية القديمة من أجل حفظ الرسوم على الجدران في كاتدرائية سانت-ترينيتي. واليوم، نعمل في كنيسة نوتر-دام-دي-فيكتوار".
من جهة أخرى، يعدّ معهد شايو حيث يتواجد قسم التكوين التابع لمدينة الهندسة المعمارية والتراث قرابة مائتي مهندس كل عام، تتناول الدراسات العالية فيه تاريخ المباني القديمة وصيانتها وحفظها وترميمها واستخدامها. ويؤمن معهد شايو بفضل شبكته الدولية إعدادا متخصصا يقوم به اختصاصيون فرنسيون في بلدان مختلفة من أنحاء العالم.
تقول ميراي غروبير مديرة معهد شايو: "إننا ننظم كل عام بين عشر وعشرين ورشة إعدادية خارج فرنسا، وهناك حاليا فريق تكوين متواجد في اليونان، وفريق آخر في كورتيسوارا في رومانيا مع زملاء من جامعة تيميسوارا. يقومون بعمل على الأرض في إطار إشكاليات واقعية. كما أننا نتواجد في المغرب منذ أربع سنوات، وفي سوريا منذ ست سنوات وفي كمبوديا منذ ثلاث سنوات. كما نطور مشاريع تعاونية مع الصين بشكل ورش متقاطعة".
يوفر التعاون مع الصين والذي يقوم بتنسيق أعماله، منذ اثني عشر عاما، مرصد الصين في مدينة الهندسة المعمارية والتراث، فرصة إقامة شبكة من المهندسين المعماريين المبتكرين وتحفيز تبادل الخبرات. ولقد أتاح برنامج التعاون الفرنسي- الصيني توجيه دعوة إلى معماريي أبنية فرنسا من أجل عرض تجربتهم في إطار ندوات وحلقات دراسية في الصين.
أما في الهند، فالسلطات المحلية تطلب المساعدة الدولية في مجال تنظيم المدن، ولقد ساهم عمل معماريي أبنية فرنسا طوال مهامهم في إعداد وثيقة تنظيم مديني عامة أقرت عام 2006. يشير بول ترويّو، أحد معماريي أبنية فرنسا إلى أن "التعاون مع الهند أتاح فرصة للحوار ولتبادل وجهات النظر وتشجيع المعرفة المتبادلة التي تطور ممارساتنا. ولقد عبر الزملاء في الهند عن اهتمامهم بأدواتنا وبتجربتنا في مجالات خاصة بعملنا وطالبوا بمزيد من التبادل".
هناك حاليا بعثات في روسيا (إركوتسك) وفي سوريا (المعهد الفرنسي في حلب) وفي لاوس (موقع فات فو) وفي كوم وألمانيا كما في أنغكور في كمبوديا. ويجري إعداد معماريين كمبوديين من الشباب لحفظ تراث الخمير. تهتم استراتيجية العمل الفرنسية بالتنسيق وبإقامة الشبكات بين العاملين الفرنسيين وبتعميم الخبرة الفرنسية والمتابعة والتحديث.
"تتمتع فرنسا بتجربة خارقة في مجال إدارة التراث وتتعدد المبادرات الفرنسية ونتلقى العديد من الطلبات من شركائنا الأجانب" حسب قول ألان مارينوس المفتش العام في إدارة التراث العامة. ويضيف قائلا : "جرى بفضل فرنسا ترميم الأحياء التاريخية في شنغهاي ، ولقد قمنا مع اليونسكو بدراسة مستوحاة من التجربة الفرنسية في المجال الاجتماعي. تمثل الابتكارات التي تقوم بها مصالحنا على الأراضي الفرنسية ونجاح أعمالنا في مجال التعاون الدولي وسائل مهمة تشجعنا على تطوير اقتراحات إستراتيجية جديدة على المسرح الدولي". وفي هذا الإطار انضمت الإدارة العامة للتراث للعمل مع مصالح وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية.
الأربعاء مارس 21, 2012 1:53 am من طرف الكنج