من سجون صدام التي مثلت خط النهاية لحياة كثير من العراقيين إلى سجون النجوم الخمس بتسهيلات الهروب المتكرر: هواتف محمولة، ومسدسات بكواتم، وأجهزة لاب توب وليال خارج السجن، ومخدرات برعاية سجناء القاعدة والميلشيات.
هرب من سجن تكريت شمال بغداد هذا الأسبوع، سجناء أغلبهم من تنظيم القاعدة، وسيطروا أول الأمر على السجن لعدة ساعات بعد أن قتلوا الحراس، ثم هرب منهم أكثر من 80 سجيناً بينهم سجناء محكومون بالإعدام لقتلهم أعداد كبيرة من العراقيين. تزامن ذلك مع مداهمة قوة عراقية خاصة في بغداد سجن العدالة بالكاظمية وصادرت عشرات الهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر وأجهزة أخرى خاصة بخدمة الإنترنت مخبأة في داخل غرف السجناء.
تسريبات صحفية متواترة تشير إلى أن كثير من السجناء يحتفظون بأسلحة بيضاء ومبالغ مالية كبيرة، وبعضهم يغادر السجن ليلاً لساعات ويعود إليه صباحاً قبل التعداد الصباحي. معلومات أخرى متداولة تتحدث عن علاقات للسجناء بأشخاص خارج السجن ينقلون لهم حبوباً مخدرة ومواد غذائية وكارتات اتصال هاتفي ومبالغ مالية كبيرة.
سجون العراق اليوم صارت فنادق سياحية بتسهيلات خاصة. هذا الوضع يذكر بسجون دول أمريكا الوسطى، حيث يمتلك السجين الثري وصاحب النفوذ شقة كاملة ويحق له تعيين موظفين لخدمته، ويزوره ضيوف على مدار النهار، ويحق له أن يزور أسرته في الأعياد.
لكن هذا يعني أيضاً أن السجون في العراق صارت لا تردع المجرمين ولا تقي المجتمع من شرورهم، لأنها خاضعة لسلطة الفساد الإداري، بل إنها أضحت مدارس لتخريج إرهابيين ومجرمين مدربين ذوي علاقات متشعبة وأصحاب معرفة بعالم الكومبيوتر والإنترنيت. الأهم والأخطر في هذا الملف هو أنه كلما هربت مجموعة من السجناء، أو كلما أطلق سراح مجموعة من المتهمين بالإرهاب بعفو من نوع ما، ازدادت الهجمات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء في كل مكان.
"الخطأ في تشكيل أجهزة الأمن على قاعدة الدمج"
الوكيل الأسبق لوزارة الداخلية العراقية والخبير الأمني اللواء غازي خضر الياس عزيزة يعزو هذا إلى خطأ استراتيجي وقع في (24 أيار/ مايو 2003) متمثلا بقرار الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر بحل الجيش والشرطة وأجهزة الأمن. (بريمر من جانبه كان قد أكد آنذاك أن هذه الأجهزة قد انهارت واختفت بمجرد سقوط نظام صدام حسين، وبالتالي فإن قرار حلها حسب عبارته كان مجرد إصدار لشهادة وفاة بحق الميت).
وفي حديث إلى DWعربية اللواء عزيزة اعتبر أن تشكيل قوات الأمن والشرطة الجديدة تم "على أسس غير صحيحة من خلال دمج الميلشيات ومنتسبي الأحزاب في القوات الأمنية ومنحهم الرتب العليا التي وصلت إلى رتبة لواء". واستندت الأحزاب التي تولت السلطة في العراق بعد سنة 2003، على نظرية مفادها أن جيش وشرطة وأمن صدام حسين كانت قوات مؤدلجة، جرى تربيتها وفق الأسس النظرية لحزب العبث، وهي بالتالي تدين بولاء مطلق لصدام حسين، كما كان الحال -على سبيل المقارنة- مع الجيش وأجهزة الأمن الألمانية في الحقبة النازية.
لكن الجنرال عزيزة اعترض على هذه النظرية مشيراً إلى أن جيش وشرطة صدام حسين لم تكن بالكامل مؤدلجة، بل ضمت في الغالب ضباطاً أكفّاء ومهنيين لم يكونوا في الغالب بعثيين. "كنت خلال نظام صدام حسين ضابطاً برتبة عميد، ولم أكن بعثياً ولا جزءا من تنظيمات البعث"، ثم استدرك بالقول "نحن لا نتحدث عن الضباط المجرمين الذين تلوثت أيديهم بدماء العراقيين، بل نتحدث عن ضباط أكفاء مهنيين أحبوا وطنهم واخلصوا في خدمته".
"ماذا فعلت لجان تقصي الحقائق حتى الآن؟ "
ويقف الشارع العراقي مذهولاً متسائلاً: كيف ينجح المجرمون والإرهابيون في الهروب من السجون، وما مصير من قام باعتقالهم وسجنهم؟ ولا يسع المراقب إلا أن يصاب بالصدمة وهو يرى مدى تغلغل العصابات والتنظيمات الإرهابية في داخل مؤسسات الدولة بما يتيح لها أن تصل إلى هذا المستوى من المهارة والدقة في تهريب السجناء.
الصحفي مناف الساعدي من بغداد شارك في حوار "العراق اليوم" من DWعربية ونقل انطباعاته عن نبض الشارع وكيف يتعامل مع عمليات الهروب لمرات كثيرة ناجحة لسجناء خطرين، مشيراً إلى أن الأسئلة الأخطر التي تدور في أذهان الناس هي "كيف نجحت هذه العلميات مع وجود معلومات مسبقة لدى كل أجهزة الأمن بأعلى مستوياتها عن نوايا وخطط الهروب؟".
الساعدي أشار إلى أن أسئلة حائرة أخرى تدور في أذهان الناس ومفادها "هل يمكن تصحيح المسار بتغيير القيادات الأمنية؟ وهل هناك ضمانات بعدم تكرار مثل هذه العمليات في مناطق أخرى". مناف الساعدي تحدث أيضاً عن سخرية الشارع من الإجراء الغامض الذي لم يفض حتى الآن إلى القبض على أي من الجناة الفارين والذي يتلخص في قرارات الحكومة بـ"تشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومحاسبة المقصرين المسؤولين عن الحادث".
العسكري سعد: "قدمنا شهداء لاعتقال المجرمين، فكيف هربوا؟"
التسيب في السجون، وعجز أجهزة الدولة عن السيطرة عليها، يضع حياة وجهود ودماء أجهزة الأمن على "كف عفريت". فالشرطي الذي يطارد ويعتقل أحد المجرمين، يصبح مكشوفاً لهذا المجرم ولمن يدعمه ويشاركه، وبالتالي يصير في متناول الانتقام لاسيما إذا تمكن المجرم المذكور من الهروب من سجنه بسهولة. هذا الوضع سيدفع بالشرطة وأجهزة الأمن إلى التقاعس عن تنفيذ واجباتهم واعتقال المطلوبين الفارين، وبالتالي سيعرّض أمن البلد إلى الخطر، وهذا ما ذهب إليه المستمع سعد وهو أحد منتسبي الجيش وقد اتصل بالبرنامج من مدينة الديوانية، مضيفاً بالقول: "نحن عسكريين من اللواء 35 الفرقة التاسعة، وقد سهرنا الليالي وبذلنا الجهود والدماء في فترة النشاط الإرهابي في عامي 2006 و2007 لكي ينال المسيء جزاءه ولكي نحمي الشعب من المجرمين، ونحس اليوم أن جهدنا وتعبنا قد ذهب هباء. قلنا لوزارة الداخلية مراراً، إذا لا توجد كفاءة في الوزارة لإدارة السجون فالأفضل تحويلها لسلطة وزارة الدفاع، وأعود لأقول: لقد قدمنا شهداء لاعتقال هؤلاء، فكيف هربوا؟"