بدأت حالات الطلاق في المجتمع العراقي ترتفع بنسق تصاعدي لم يشهده في السنوات التي سبقت عام 2003، لاسيما أن آخر الإحصائيات الرسمية تشير إلى ازدياد حالات الطلاق سنة بعد أخرى في العراق، فما هي أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها؟
يرى مختصون في مجال البحث الاجتماعي أن سبب ارتفاع معدلات ظاهرة الطلاق في العراق يعود إلى الانفتاح الذي بدأ يشهده بعد 2003، العام الذي لم يمتد تغييره إلى الواقع السياسي فقط، وإنما بدأت تمتد بعد ذلك إلى الكثير من التقاليد والأعراف المجتمعية. استبرق قصي عطا الله (20 عاماً) مطلقة منذ أربعة أعوام، وتقول إن سبب طلاقها هو تدخل أهل زوجها بشؤون أسرتها الخاصة، فضلاً عن عدم وجود استقلالية في شخصية زوجها، الذي تصفه بأنه كان مطيعاً لما يملي عليه أهله "في كافة أمورنا الزوجية" بحجة إننا نسكن في بيتهم. وقالت عطا الله في حوار مع DW "أهل زوجي طلبوا مني ترك المنزل لأنهم بدءوا لا يتحملون نفقاتي، فتركته إلى بيت أبي لأفاجئ بعدها بأيام قلائل بأن زوجي بعث ورائي بورقة طلاقي دون أن يفكر بمصير ابنته والمولود الجديد الذي كان ينتظره".
ضحية عادات وتقاليد المجتمع
في حين تروي المطلقة رونق محمد علي، التي كانت تتدرب على إتقان استخدام الحاسوب في أحد المعاهد الأهلية في بغداد للتقديم على عمل خاص، حكاية انفصالها عن زوجها، قائلة: "أجبروني على الزواج من أبن عمي وفق تقاليد عائلتنا. رغم ارتباطي عاطفيا بزميل لي في الجامعة".
وتضيف رونق (أم أحمد) وهي من مواليد 1990 في حديث مع DW: "لم أكن أحب زوجي. وتنازلت عن كافة حقوقي الزوجية مقابل الحصول على الطلاق كي أتزوج بالشخص الذي أحب حسبما وعدني". لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي رونق، فبعد حصولها على الطلاق أصبح زميلها الجامعي يبتعد عنها تدريجياً. "وعندما حاولت مواجهته ومعرفة موعد زواجي منه بدأ يهرب من الإجابة. وعرفت فيما بعد أنه لا يريد الارتباط بمطلقة"، تضيف رونق بندم يدق أوصالها حسرة على أيام الحب التي قضتها مع زميلها.
فصل أخر من المعاناة
منى عبود جاسم (26 عاماً)، التي انفصلت هي الأخرى عن شريك حياتها مؤخراً، عاشت قصة أخرى من قصص الطلاق المتزايدة في العراق. "توفي زوجي وترك لي طفلين. ضعف أحوال عائلتي المعيشية دفعني للزواج ثانية بشخص مطلق وهو من أصدقاء أبي". وتقول منى التي طرقت باب منظمة مدنية تعنى بحقوق المطلقات والأرامل من أجل أن توفر لها فرصة عمل لتعيل عائلتها إنه "خلال أيام الزواج الأولى اكتشفت أنه (زوجي) قاسي جداً ويهددني بالضرب وطرد طفلي وحاولت التفاهم معه ولكن دون جدوى". وتضيف بالقول: "انتهى بنا المطاف إلى الطلاق". وتؤكد منى التي محت فكرة الارتباط برجل آخر خاصة بعد أن أنجبت من زوجها الثاني طفلة هي الآن بعمر السنتين.
تعدد الزوجات سبب مباشر
ويكشف سليم عزيز عبد الله، المحامي في محكمة الأحوال الشخصية بمدينة الصدر جانب الرصافة، عن أن "تحسن الأوضاع المعيشية للكثير من الرجال دفع بعضهم إلى البحث عن زوجة ثانية وهجر الأولى أو تخلى عنها مما أدى إلى تفاقم حالات لطلاق".
ويضيف عبد الله في حوار مع DW أن "المحكمة تستقبل نحو 30 إلى 50 حالة طلاق يومياً"، وزاد بالقول: "يقع الطلاق بين الفئات العمرية التي تتراوح بين 17-30 سنة"، داعياً إلى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في إبداء النصح والإصلاح بين الزوجين ونبذ الطلاق. من جانبها تعزو الدكتورة فوزية العطية، أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد، سبب ارتفاع حالات الطلاق إلى عدة أسباب أهمها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والنفسية، مبينة أن بعض حالات الزواج "تتم بشكل سريع وغير مدروس".
أسباب تنامي الظاهرة؟
وتوضح العطية في حوار مع DW بأن "الانفتاح الحاصل في مجتمعنا ودور الفضائيات في هذا الانفتاح، وما تتضمنه من أفكار وأحداث تؤكد أن الطلاق ظاهرة عادية وليس عيباً".وهو ما دفع العراقيات إلى تقبل أمر الطلاق كـ"حادثة عابرة". وتنوه العطية إلى أن نظرة المجتمع العراقي في الوقت الراهن إلى المطلقين وحصولهم على فرص زواج أفضل من سابقه. "مما يملي على المطلقين الذين يعانون مشاكل مع شركائهم التفكير بالطلاق والزواج مرة أخرى".
ودعت الأستاذة العراقية في ختام حديثها إلى ضرورة تدخل الجهات الرقابية والتربوية ووسائل الإعلام "من أجل التصدي لهذه الظاهرة الخطرة ومعالجتها التي باتت تنذر بتفكك المجتمع"، على حد تعبيرها. وحسب بيان صادر من مجلس القضاء الأعلى العراقي، فإن دعاوى الطلاق لعام 2004 كانت 28 ألفا و689. وارتفعت إلى 33 ألفا و348 في 2005. ثم ارتفعت مجدداً إلى 35 ألفاً و627 في 2006. وارتفعت مجدداً إلى 41 ألفًا و536 حالة طلاق في 2007. وحققت نسبة الطلاق انخفاضاً في الأشهر الأولى من عام 2008، إلا أنها عادت لترتفع في العام 2009 بواقع 820 ألف و453 حالة طلاق.