"قانونٌ" أريدَ منه "عزل" فئة بعينها عن المشهدين الانتخابي والسياسي في مصر ما بعد الثورة. تفصل المحكمة الدستورية العليا الخميس في مدى دستوريته، وسط حالة من التخبط حول مصير الانتخابات الرئاسية الأكثر جدلا في تاريخ مصر.
رغم كونها حيا سكنيا معروفا بهدوئه، تجذب منطقة "المعادي"، الخميس (14 يونيو/ حزيران 2012)، إليها وسائل الإعلام المكتوبة – فقط - وأنظار ملايين المصريين الذين يترقبون حكم "المحكمة الدستورية العليا" بكثير من الشغف وقليل من الصبر.
من سخرية القدر أن المحكمة، التي شيدت على طراز معبد الأقصر وافتتحت على طريق كورنيش المعادي عام 2001، تقع في مواجهة منطقة عسكرية يشغلها "مستشفى القوات المسلحة" المزود بمهبط للطائرات الهيليكوبتر. هذا المستشفى لفظ فيه الرئيس الراحل أنور السادات أنفاسه الأخيرة عقب "حادث المنصة" عام 1981. وهو المستشفى نفسه الذي تردد في الآونة الأخيرة نبأ احتمال نقل الرئيس السابق حسني مبارك إليها من "سجن طرة"، الواقع على بعد نحو 25 كلم جنوبا، بعد تدهور حالته الصحية.
هي إذا منطقة هادئة تقبع على صفيح ساخن. من هنا تأتي خطورة إعلان الحركات الثورية، وعلى رأسها "6 أبريل"، قبل أيام اعتزامها توجيه المتظاهرين للاعتصام أمام مقر المحكمة، حال ما إذا صدر حكم قضائي يخالف آمالهم في الإطاحة بالمرشح الرئاسي أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، عن المشهد الانتخابي.
تعزيزات أمنية غير مسبوقة
لذلك يخضع محيط المحكمة هذه الأيام لتعزيزات أمنية غير مسبوقة. ورصدت كاميرا DW ثلاث عربات أمن مركزي، ونحو 3 دبابات تحيط بالمحكمة، فضلا عن نشر أفراد الشرطة العسكرية بقبعاتهم الحمراء المميزة، وضباط الأمن المركزي بستراتهم السوداء الشهيرة.
وتختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل في مدى تطابق القوانين مع نصوص الدستور. وأحكامها غير قابلة للطعن. وعندما تقدم النائب البرلماني عصام سلطان بمشروع قانون العزل، وافق عليه البرلمان، ثم رُفع القانون للمجلس العسكري الذي صدق عليه، قبل أن تنشره الجريدة الرسمية في أبريل الماضي.
إلا أن محامين قدموا طعنا ودفعوا بعدم دستورية هذا القانون، بما أوجب إحالته للمحكمة الدستورية العليا للفصل فيه الخميس، خلال جلسة تخصص للنظر في 7 قضايا مختلفة، أكبرها وأهمها تلك المتعلقة بـ "قانون العزل" والأخرى الخاصة بـ "حل البرلمان".
"المحكمة قد ترفض النظر في الطعن لعدم الاختصاص"
وعن رأيه القانوني في احتمال موافقة المحكمة على القانون من عدمها، يوضح إبراهيم عبد الرحمن (المحامي بالنقص) أن "هذه المسألة لها شقان، الأول شكلي. فاللجنة العليا لانتخابات الرئاسة هي التي أحالت طعن العزل السياسي للدستورية.. والسؤال هو: هل من حقها إحالة القانون للدستورية للبت فيه".
وأوضح عبد الرحمن في حديثه لموقع DW عربية أن "هناك وجهتي نظر قانونيتين في تلك المسألة، الأولى تقول بنعم لأن اللجنة قضائية، وتتكون من قضاة. أما الرأي الثاني، فيقول لا، لأن العبرة بوظيفة اللجنة وهي وظيفة إدارية تراقب الانتخابات وليست قضائية، ومن ثم لا يجوز لها إحالة القانون للدستورية".
وأشار المحامي بالنقض إلى أنه "لو أخذت المحكمة بعدم أحقية اللجنة في إحالة القانون أساسا، سترفض النظر في القضية. ومعنى ذلك أن تستمر الانتخابات كما هي في جولة الإعادة، دون أن يطبق قانون العزل على شفيق، لأنه تقدم للانتخابات قبل صدوره، والقانون لا يمكن أن يطبق بأثر رجعي، فضلا عن أن اللجنة العليا للانتخابات هي من قبلت أوراق ترشح شفيق منذ البداية".
"ترزية القوانين" مازلوا في مجلس الشعب
وأضاف عبد الرحمن قائلا: "أما لو أخذت المحكمة بأحقية اللجنة من الناحية الشكلية في إحالة القانون للدستورية، ستنظر في المضمون، وأعتقد أنها في هذه الحالة ستقضي بعدم دستورية القانون لسببين. الأول هو أنه تم تفصيله على أشخاص بعينهم (عمر سليمان)، في حين أن القانون يجب أن يكون عاما وليس على أشخاص". أما السبب الثاني "فهو أنه لا يمكن تطبيق القانون على أحد بأثر رجعي".
ورغم أنه من وجهة النظر القانونية يعد أمرا مستبعدا، إلا أنه إذا حكمت المحكمة بدستورية قانون العزل وضرورة تفعيله على المرشح شفيق، فإن ذلك سيعني إعادة الانتخابات، لكن من غير المعلوم حتى الآن إذا ما كان سيعاد فتح باب الترشيح من جديد أم تقتصر الانتخابات على المتنافسين السابقين في الجولة الأولى.
ومن وجهة نظره السياسية، انتقد عبد الرحمن الطريقة التي صدر بها قانون العزل في مجلس الشعب، قائلا "عندما تقدم عصام سلطان بمشروع القانون أمام البرلمان، فوجئنا بإحالته فورا إلى اللجنة التشريعية، قبل أن يصوت عليه البرلمان في اليوم التالي بالموافقة.. كل ذلك دون أن نرى أي مناقشات أو دراسة لمواد القانون". وأضاف "كنا ننتقد ترزية القوانين في النظام السابق، ونعيب عليهم سلق القوانين على هذا النحو، وها هو البرلمان الحالي وافق على قانون، أتصور أنه غير دستوري، دون أي دراسة أو مناقشة من مستفيضة من قبل النواب".
وبعيدا عن صخب السياسة ومطالب "الثوار"، يؤكد وجهة النظر تلك عدد من القانونيين الذين يؤكدون أن قانون العزل ينضوي على "عوار قانوني"، ويشكل "فضيحة دستورية" تنتهك الحريات التي ينص عليها الدستور. ووصفت مصادر قضائية، رفضت الإفصاح عن هويتها، ما جرى في البرلمان منذ البداية عند إقرار قانون العزل بأنه "فضيحة دستورية". وأكدت "إذا كان فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب السابق، ترزي (خياط) قوانين، فإن سعد الكتاتني، الرئيس الحالي، ماسك مازورة (أداة قياس يشتهر الترزية بحملها في عملهم)".
هذا الرأي القانوني لا يرضي غالبية الرأي العام الثائر ضد "فلول" النظام السابق، إذ يرى الرافضون أن صعود "شفيق" في انتخابات الرئاسة يمثل المعركة الأخيرة للانقضاض على ثورتهم. وبينما يطالبون بقوانين استثنائية ومحاكم ثورية، تبقى حالة الشد والجذب بين شرعية "القانون" وشرعية "الميدان".