ناضلت المرأة المصرية جنباً إلى جنب مع الرجال في ميدان التحرير من أجل نيل الحرية، التي طال انتظارها، لكن صعود المجلس العسكري والقوى الدينية في الساحة السياسية جعل الربيع العربي يحل خريفاً على المرأة المصرية.
الالتزام بالمواعيد من أهم سمات أماني التونسي، التي تبدأ بمباشرة عملها عند الساعة الثامنة صباحاً. وتأخذ الإذاعية الشابة كل صباح مكانها في مكتبها بالبيت وتشغل جهاز الكمبيوتر وتضع الميكروفون أمامها لتواصل كفاحها من أجل حقوق المرأة عبر أثير راديو "بنات وبس"، المختص بقضايا المرأة.
رسالة أماني هي طرح المواضيع، التي تهم المرأة المصرية للنقاش وتوعيتها بحقوقها. عن ذلك تقول أماني: "أريد منح المرأة المزيد من الثقة بالنفس وتغيير طريقة تفكيرها". أسست أماني التونسي قبل ثلاث سنوات راديو "بنات وبس"، ولاقت إذاعتها نجاحاً واسعاً، حيث وصل عدد مستمعيها إلى أكثر من خمسة ملايين من جمهور الإنترنت في كل أنحاء العالم، معظمهم من مصر.
لكن مهمتها ليست بالسهلة، فقد تدهور وضع المرأة منذ بداية الثورة وذلك على الرغم من أن النساء كافحن جنباً إلى جنب مع الرجال في ميدان التحرير من أجل نيل الحرية.
السياسة .. منطقة محظورة
تعامل الجيش بوحشية مع المرأة، فبعد وقت قصير من الإطاحة بالرئيس المصري محمد حسني مبارك، تعرضت المتظاهرات لفحوصات الكشف عن العذرية، وكأنها الطريقة الوحيدة للتأكد من أخلاقهن. وفي أواخر العام الماضي أعتدت مجموعة من الجنود على إحدى المتظاهرات بالضرب بالهراوات وجردوها من ملابسها وداسوا على وجهها وصدرها بالأحذية. كانت المرأة ترقد نصف عارية وكأنها جثة هامدة على الأرض.
تناقلت وسائل الإعلام صورة المرأة الشابة مع حمالة الصدر الزرقاء، ليشاهدها العالم أجمع. بقيت الصورة، التي هزت العالم، واختفت المرأة، التي لا يعرف أحد هويتها، بلا أثر.
يحاول المجلس العسكري إقصاء المرأة عن السلطة، فهناك ثلاث سيدات فقط من بين ثلاثين وزيراً في مجلس الوزراء، الذي تم تعيينه من قبل المجلس في الحكومة الانتقالية، أي أن نسبة تمثيل المرأة أصبحت أقل مما كانت عليه في عهد مبارك. إذ بلغت كوتة المرأة آنذاك 12 في المائة، لكن المجلس العسكري ألغى نظام الكوتة.
فُرض على الأحزاب، التي تنافست على الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، ترشيح امرأة واحدة على الأقل في قائمة مرشحيها، والنتيجة كانت، أنه تم وضع المرشحات في آخر القائمة في الغالب. أما حزب النور السلفي، فأدرج مرشحاته بدون أي صور.
"المرأة مكانها المطبخ"
البرلمان المصري، الذي أنتخب حديثاً، يعكس بوضوح سياسة إقصاء المرأة عن المشهد السياسي، فثمانية وتسعون في المائة من النواب الحاليين هم من الرجال، اثنان في المائة فقط من النساء. دينا زكريا، عضو في "حزب الحرية والعدالة" الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تمثل أكبر كتلة في البرلمان، لا ترى في ذلك أي مشكلة. فالرجال، حسب رأيها، قادرون على طرح قضايا المرأة في البرلمان، بل إنهم أفضل من النساء في هذا الشأن، لأن قوة المرأة ودورها في المجتمع يكمنان في مكان آخر.
وتوضح زكريا بالقول: "ينبغي على المرأة أن تساعد زوجها وأن تربي الأطفال وأن تساعد الآخرين". وتضيف قائلة: "ويمكنها القيام بهذا الدور أفضل من الرجل بكثير". مقولة توضح أن الأخوان والسلفيين استطاعوا ترويج صورة المرأة كأم وربة منزل، وبنجاح كبير.
وعلى الرغم من تأكيد زكريا على اهتمام جماعة الإخوان المسلمين بقضايا المرأة، فإن برنامج الحزب لم يتناول موضوع المرأة لا من قريب أو بعيد. علاوة على ذلك فإنه لا توجد في البرلمان لجنة لرعاية شؤون المرأة وفي حال تعرض البرلمان لمثل هذه القضايا، فإن لجنة الأسرة هي المعنية بالأمر.
يسعى الإخوان في البرلمان الآن إلى إلغاء "قانون الأحوال الشخصية"، الذي ناضلت من أجل سنه الكثير من النساء لسنوات طويلة. إلغاء هذا القانون يعني إلغاء قانون الخلع وتقصير فترة حضانة الأم المطلقة لأطفالها من 15 إلى 9 سنوات.
إحالة المرأة مبكراً على التقاعد
ليس هذا فحسب، فالنقاش يدور الآن في أوساط السلفيين حول إحالة المرأة في سن الـ 55 إلى سن التقاعد، ليتاح بذلك فرص عمل للرجال من الشباب. بهذه الطريقة يسعى حزب النور السلفي إلى مكافحة البطالة في صفوف الشباب.
لكن إيمان بيبرس، رئيسة منظمة "تنمية وتعزيز دور المرأة" غير الحكومية، ترى أن التيارات الدينية المتشددة ليست الوحيدة التي ترى أن دور المرأة يتمثل في كونها أم وربة منزل ، بل " إن معظم الرجال في مصر، سواء كانوا متدينين أم غير متدينين لا يعترفون بقدرات المرأة"، كما تقول إيمان بيبرس، التي تخشى من أن يزداد وضع المرأة سوءاً في المستقبل.
المشوار ما زال طويلاً
كانت المنظمات غير الحكومية، أهم الفاعلين، الذي ناضلوا من أجل حقوق المرأة في مصر في عهد مبارك. منع المجلس العسكري العديد من تلك المنظمات من العمل وسحب منهم تصاريح العمل، لأنهم وحسب اتهامات المجلس العسكري، يتلقون دعماً مالياً من الخارج.
من جانب آخر منح صعود السلفيين في الساحة السياسية سلطة على وسائل الإعلام، حيث يروجون صورة المرأة كأم وربة منزل. لكن هذا النوع من الدعاية يلقى استحساناً لدى بعض المصريين. ورغم كل شيء فإن أماني التونسي لا تسمح لمثل هذه التطورات بأن تثبط من عزيمتها، وتقول: "الطريق شاق، لكننا لن نستسلم". ستواصل أماني ورفيقات الكفاح المعركة، التي تبدأها كل صباح في الساعة الثامنة عبر الأثير من أجل توعية المزيد النساء في مصر بحقوقهن.
الجمعة مارس 16, 2012 12:12 pm من طرف الكنج