"لكي يحدث الحوار نحتاج إلى أكثر من مجرد الندوات، فالندوات تقتصر على مجموعة نخبوية مغلقة تستفيد من بعضها على المستوى الشخصي لكن دون استمرارية"، كان هذا رأي الناشطة الحقوقية المصرية الشابة سالي زهني، التي أوضحت في مداخلتها في برنامج شباب توك على قناة DWعربية أن الاستفادة من هذه المؤتمرات تبقى على مستوى محدود وتضيف: "نحن لا نمثل الثورة المصرية ولا التونسية، نحن مجموعة نخبوية إلى حد كبير، حصلنا على قدر جيد من التعليم ونعرف كيف نتكلم ونعبر. نحن نأتي إلى هنا ليومين أو لثلاثة ونتكلم ونستفيد من بعضنا البعض، لكن هذا الأمر يبقى على المستوى الشخصي وعلى مستوى النخبة ولا يصل إلى الشارع."
الشباب العربي أراد نقل "صورة واقعية" عن الثورات
ورغم هذا الرأي، فقد شاركت سالي في مؤتمر الشباب العربي- الأوروبي الذي نظمته مؤسسة كونراد آديناور في برلين مطلع هذا الأسبوع، "لتنقل صورة حقيقية عن الثورة المصرية في مرحلة خطيرة جدا"، على حد قولها وتضيف: "أتيت أيضاً لأنقل الصورة الموجودة على أرض الواقع، لأني أعتقد أن هناك صورة خاطئة في الغرب عن الثورات وأنها انتهت وأننا الآن في المرحلة الانتقالية لتعلم الديمقراطية، وهو أمر غير صحيح". تجد سالي أن كثيراً من المعلومات التي تتناقلها الصحف ووسائل الإعلام الالكترونية مختلفة عن الواقع، ولذلا فقد أرادت الخروج من نطاق الحوارات الالكترونية مع الشباب الغربي لتصل إلى حوارات حقيقية، فقد كان لدى الحقوقية المصرية "فضول للتعرف على صورة الثورات العربية عامة والمصرية خاصة في أوروبا وفي ألمانيا".
ويتفق معها المدون والناشط الحقوقي التونسي أيمن الطالبي الذي شارك في هذا المؤتمر "ليوضح للشباب الأوروبي بعض التفاصيل عن الثورات العربي" ويقول في هذا السياق: "لقد جئت إلى هنا وأنا واثق من أن هناك صورة معينة مروجة للثورات العربية، بما أنه تم تسميتها منذ البداية بالربيع العربي، لكنه كان بالنسبة لنا كشعوب عربية تعيش هذه الثورات على أرض الواقع ربيع دموي". ويرى الطالبي أن الحوار كان غنيا وثريا.
ويؤيد بنديكت بوترينغ، نائب رئيس شباب حزب الشعب الأوروبي هذا الرأي، مؤكداً على أن المؤتمر شكل فرصة هامة للحديث إلى الشباب والشابات العرب والاستفادة منهم.
"النظرة الأوروبية الفوقية تقف عائقاً أمام الحوار"
إلا أن الناشطة المصرية الشابة تنتقد من جانبها نظرة الشباب الأوروبي للشباب العربي قائلة: "إنهم كثيراً ما يتساءلون كيف يمكن أن نساعدكم، لقد قمتم بثورة وأنتم الآن في مرحلة بداية الديمقراطية، فكيف يمكن أن تستفيدوا من تجربتنا؟". لكن سالي ترى أن هذا الأمر يقف عائقاً أمام الحوار الحقيقي، إذ أن الحوار الحقيقي في رأيها لا يجب أن يكون قائماً على جانب أقوى يعلم الجانب الأضعف، بل يكون قائماً على الاحترام المتبادل، وفي رأيها أن الشباب العربي قام بثورة وأصبح في الموقف الأقوى في الوقت الحالي. وتقول في هذا السياق: "إن الشباب المصري سبق الأوضاع وتعدى النظرة الغربية للشباب العربي، والكل يحاول الآن أن يلحق بالشباب ويفهم ما الذي يحدث". كما أنها ترى أن الشباب الأوروبي يعيش في مجتمع ديمقراطي وحر لكنه بالتأكيد يعاني من مشكلات أخرى، وربما عليه أن يستفيد من خبرة الشباب العرب الذي استطاع أن يحل مشكلته بنفسه.
ويتفق معها أيمن الذي يرى أن الشباب التونسي "لا يستعطي" وليس بحاجة لمساعدة، بل قد ناضل بكل وعي ليحقق حريته. من ناحية أخرى انتقد الناشط الشاب أوروبا التي دعمت الأنظمة الديكتاتورية لمدة طويلة، حتى في بدايات الثورات، حيث دافعت فرنسا عن الرئيس التونسي وشجعته على قمع المتظاهرين، ووصف الناشط التونسي الأنظمة الأوروبية بالـ"ديكتاتوريات الخفيفة"، وهي تعتمد في نظره على "طرق التغييب". وفي هذا السياق يوضح أيمن أنه وجد أن الشباب الأوروبي المشارك كان مغيبا إلى حد كبير، ولا يعرف الواقع لأنه يعتمد بشكل شبه تام على المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام ولا يرى أهمية مثلاً للمعلومات المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لكنه أكد أن أمله في الشباب كبير، وهو واثق أنه يبحث عن المعلومات وسيكتشف الحقائق وهو القادر على التغيير والبداية الجديدة في العلاقات مع العالم العربي.
بوترينغ: "نريد أن ندعم بعضنا بعضا ًكشباب"
لكن بوترينغ يختلف مع سالي وأيمن في هذه النقطة، مؤكدا أن الشباب الألماني والأوروبي لا يريد تعليم الشباب العربي شيئاً موضحاً: "نحن لا نريد أن نُعَلِم ولا نستطيع أن نتقدم في الحوار إذا كنا نريد أن نُعَلِم، بل نريد أن نعرف كيف يفكر الطرف الآخر". يرى السياسي الألماني الشاب أن هناك ديمقراطية في ألمانيا وأن هذه الديمقراطية احتاجت لعشرات السنين لتتطور، ولكنه يوضح أن هذا النموذج لا يمكن استنساخه ونقله إلى العالم العربي، لأن لكل دولة ظروفها وخصوصيتها. ويضيف: "نحن نريد أن نكون أصدقاء وأن ندعم أصدقاءنا وهذا ليس فقط على مستوى الساسة الكبار ورؤساء الحكومات، بل على مستوانا كشباب نريد أن ندعم بعضنا البعض مباشرة".
ويوضح بوترينع أن المشاركة في الندوات وورش العمل خلال المنتدى ساعدته على التعرف على الطرف الآخر قائلاً: "تعلمت أنه مازال هناك أمامنا الكثير مما يجب أن نفعله لكي نكسب ثقة الشباب في العالم العربي". يرى بوترينغ أن الشباب العربي تشكك بدور الأوروبيين نتيجة دعم أوروبا للأنظمة الديكتاتورية لعقود طويلة، لذلك فهو يجد أن على الشباب أن يعملوا على إزاحة هذه الشكوك للحصول على ثقة الطرف الآخر.
"النخبة بعيدة عن نبض الشارع"
واعتبر معظم مستخدمي صفحة DWعربية على الانترنت أن حوارات النخبة لا تؤثر على الشارع، فكتب Mohamed Amzil يقول: "النقاش مهم في كل الأحوال.. لكن للأسف يعتقد بعض الناشطين أو أغلبهم أنهم الأقرب إلى نبض الشارع، لكنهم في الحقيقة بعيدون كل البعد عنه، تماما مثلما حصل للمثقفين سابقا، إنهم ينتقدون الوضع من أبراجهم العاجية وعوالمهم الافتراضية. الواقع أكثر تعقيدا مما يتصورون والعمل المطلوب يحتاج إلى نفس طويل ومجهود أطول.. أما الأحكام المسبقة فليست حقيقة مطلقة". أما Jo Lybia فاعتبر النخبة "نخبة هزيلة" قائلا: "هناك شباب أشعلوها ثورة ولم يعرفوا كيف يحافظون عليها". وقالت Alia Rezqإن "النخبة لا تعبر إلا عن نفسها. ولابد للشعوب أن تأخذ المبادرة للتعبير عن رأيها. وكان تمثيلهم للثورات مخز جداً وكانوا آخر من لحق بالثورات".
أما عمار الحقب فقد كتب يقول: "ﺍﻟﻨﺨﺐﻣﺘﻔﺎﻭﺗﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺩﺍﺀ والدور خلال الربيع العربي، ﻃﺒﻌﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﻧﺨﺐارتبط دورها بالربيع العربي بشكل سلبي ولأسباب مرضية مذهبية أو طائفية أو عرقية مقيتة ﺗحولت ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﻭ ﻧﻤﻂللحاكم الديكتاتور ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢﻣﻦﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖﺗﺪﻋﻮﺍ في السابق ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺛﻮﺭﺓ ﻣﻦﺧﻼﻝ ﺃﻷﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺪﻭﺍﺕ إلا أنها باعت تاريخها النضالي للحاكم المتهالك في آخر لحظاته. ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻧﺨﺐاستوعبت ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﻓﺴﺎﺭﻋﺖﺇﻟﻰ الانضمام ﺇﻟﻰ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﻟﺰﻣﻦﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺍﻟﺬﻱ ﻣﺜﻠﻪ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﻫﻮﺍﻟﺰﻣﻦﺍﻟﺤﺮ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺨﺐﻟﻌﺒﺖﻭﻻ ﺯﺍﻟﺖﺗﻠﻌﺐﺩﻭﺭﺍ ﻫﺎﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻬﺎﻡ ﺑﺘﺤﻘﻴﻖ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﻭﺫﻟﻚلأنها ﺗﻤﺘﻠﻚﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻲ تمكنها ﻣﻦﺗﺒﻨﻲ ﺑﻌﺾﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮﺍﻟﺮﺅﻯ والمطالب ﺍﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ".
من جانبها دافعت Naama Maoulainineعن مثل هذه الندوات قائلة في تعليقها: "الانفتاح الذي عرفه العالم العربي بعد الربيع العربي الديمقراطي يعكس تحولاً في مجال حريات التعبير وذلك من خلال ظهور مجموعات كبيرة من الناشطين والمدونين الجدد".