هل عدل ساركوزي عن خطة الانسحاب المبكر من أفغانستان؟ أم عدلها لدواع انتخابية؟ يفهم من كلام الرئيس الفرنسي وهو يستقبل كرزاي أن آخر جندي فرنسي سيعود إلى الديار نهاية ٢٠١٣ مع بقاء مئات من المدربين وهو ما يحيلنا إلى القول بأن الخطة السابقة عدلت شكلا وفي المضمون أبقي عليها كما هي وبذلك يضرب ساركوزي عصفورين بحجر واحد.
الرسالة الأولى موجهة للحليف الأمريكي الذي لم يهضم تهديدات الرئيس الفرنسي الأسبوع الماضي بالانسحاب مبكرا والثانية موجهة للاشتراكيين ومرشحهم للانتخابات فرانسوا هولاند الذي أعلن أنه وفي حال انتخابه سيسحب الجنود قبل نهاية العام وهو أمر غير ممكن تقنيا، والمفارقة أن ما يقوله ساركوزي أيضاً فيه الكثير من التناقض فالقول بأنه بعد ٢٠١٣ سيتم سحب كل القوات مع بقاء مدربين هو لعب بالألفاظ لأن المدربين هم مقاتلون ثم إن القوات الفرنسية رسميا أوكلت لها مهام غير قتالية منذ مدة طويلة، فما قاله ساركوزي بالأمس هو حفظ لماء الوجه بعد التصريحات المتسرعة التي أطلقها بعد مقتل أربعة جنود فرنسيين على يد جندي أفغاني مندس من حركة طالبان.
الموقف الفرنسي الجديد هو تغيير استراتيجي شكلي فقط ولن يمس بالجوهر وهو ما يفسر الترحيب الأمريكي بالقرار والتأكيد على أن ما اتخذته فرنسا جاء بالتنسيق مع الولايات المتحدة، فساركوزي سيستثمر دون شك هذا الطرح الجديد في حملته الانتخابية بالتأكيد على أن ما ذهب إليه هولاند لا يتماشى والسياسة الخارجية الفرنسية بل أبعد من ذلك هو بعيد عن الواقع وينم عن عدم فهم وإلمام من طرف هولاند بالملفات الدولية وبالاتفاقيات والتحالفات التي عقدتها فرنسا، ساركوزي التفت للداخل لأنه يعرف مدى حساسية الموضوع وتأثيره على الناخب الفرنسي خاصة وهو يقدم نفسه دائما على أنه القادر على حماية الفرنسيين والساهر على مصالحهم.
يبدو جليا مما سبق أن ساركوزي لايهمل أي شيء في التحضير للصراع من أجل البقاء والفوز بولاية ثانية وهو يعلم تماما أن المسائل الدولية لها من الأهمية ما قد يضعف خصمه الذي يعاب عليه عدم الإلمام بها ودون شك سيتكئ على مسألة استحالة سحب كل القوات قبل نهاية 2012 لأنها تقنيا غير ممكنة فأقرب نقطة بحرية هي باكستان لكن الحدود مغلقة وبالتالي فكل سحب للقوات لابد وأن يمر عبر القواعد العسكرية الفرنسية مثل تلك الموجودة في طاجكستان ومع ذلك فلا بد من بدء العملية الآن لأن المدة بين أواخر شهر آيار/مايو ونهاية السنة لا تكفي إطلاقا لسحب كل القوات، أضف إلى ذلك التزامات فرنسا مع حلفائها خاصة بعد أن عادت للقيادة المشتركة للحلف، كل هذه الحسابات التي لا يبدو وأن هولاند قد وضعها في الحسبان قد تكون سلاحا في يد ساركوزي يستعملها بمجرد بداية المعركة الحقيقية عندما يعلن ترشحه، ترشح يريد تركه لآخر لحظة كما يقول مستشاروه حتى يبقى ما يقوله في أذهان الناخب الفرنسي.