في ثكنة للجيش بسيطة للغاية في جنوب مالطا تستخدم كمركز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين، يصف عبد الرحمن، وهو شاب صومالي، الرحلة المضطربة التي أخذته حوالي خمسة آلاف كم من القرن الإفريقي إلى أصغر بلد في الاتحاد الأوروبي.
يقول عبد الرحمن، وهو ابن شرطي: ''ذهبت أولاً بشاحنة من الصومال إلى ليبيا. ثم ذهبت بالقارب، وكان القارب ذاهباً إلى إيطاليا. ولكنه واجه المشكلات، وتم التقاطنا وإحضارنا إلى مالطا. وأنا هنا منذ شهرين. والجيش يعاملنا على نحو جيد. ومشكلتي الرئيسة هي أنني بعيد عن زوجتي''.
يشغل الثكنة نحو 200 لاجئ إفريقي، وقد بنتها القوات البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى، حينما كانت مالطا مستعمرة. ولكن عبر الجزيرة المتوسطية الجنوبية، هناك ما بين خمسة إلى ستة آلاف لاجئ – عدد كبير بالنسبة إلى دولة بالكاد يتجاوز عدد سكانها الحاليين 400 ألف نسمة، وتقف شهادة على حقيقة أن الهجرة غير المصرح بها، أو ''غير المنظمة'' تشكل الأزمة التالية بعد أزمة ديون منطقة اليورو، والمشكلة الأكثر إلحاحاً التي تواجه الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 بلداً.
من الحدود اليونانية التركية في الشرق، إلى جزر الكناري الإسبانية قبالة الشاطئ الغربي لإفريقيا، وإلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، فإن وصول عشرات الآلاف من اللاجئين من أماكن بعيدة للغاية، مثل إرتيريا، والعراق، وأفغانستان، وبنغلادش، بمثابة شهادة على حدود مبادئ الاتحاد الأوروبي المتمثلة في التضامن، والمشاركة في الأعباء، وحماية حقوق الإنسان. وترفض البلدان في شمال، وغرب، ووسط أوروبا أن تأخذ أكثر من مجرد أعداد رمزية من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى الدول الحدودية الجنوبية، والجنوبية الشرقية من الاتحاد.
بينما تدفع مشكلات منطقة اليورو الحكومات، بين الحين والآخر، باتجاه التكامل الاقتصادي الأوثق، يهدد الباحثون عن اللجوء، والمهاجرون الاقتصاديون الذين يصلون من خارج دول الاتحاد بتوليد رد فعل معاكس، الأمر الذي يهدد التزام حرية حركة الناس المقدس في اتفاقية شينجن. ويقول جوزيف موسكات، زعيم حزب العمال المعارض في مالطا: ''يقابل أزمة منطقة اليورو المزيد من تكامل أوروبا. وأما أزمة الهجرة، فيقابلها الاهتمام الأقل من أوروبا''.
وفقاً للبيانات الرسمية، فإن حوالي مائة ألف شخص عبروا بشكل غير قانوني إلى الاتحاد الأوروبي بين أوائل عام 2010 وبداية عام 2011. وتعادل هذه الأعداد نسبة 0.02 في المائة من عدد سكان الاتحاد البالغ 500 مليون نسمة. ولكن الثورات في مصر، وتونس، واندلاع الحرب الأهلية في ليبيا، وعدم الاستقرار في العديد من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، يزيد من آفاق مد لا ينتهي، ولا يمكن إيقافه، من المهاجرين – موضوع استغلته الأحزاب الشعبوية، والسياسية اليمينية المتطرفة التي حققت مكتسبات كبيرة في الانتخابات عبر غرب أوروبا خلال الأعوام العشرة الماضية، وحديثاً في فنلندا والسويد.
نتيجة لذلك، يشعر السياسيون التقليديون بأنهم ملزمون بأن يبدو أكثر تزمتاً على الإطلاق بخصوص الحاجة إلى ضوابط حدودية أشد. ويقول وليم هيغ، وزير الخارجية البريطاني: ''لا يمكننا ببساطة أن نقبل تدفق مئات الآلاف، أو الملايين من الناس إلى جنوب أوروبا، ثم يأتون متجاوزين تلك المناطق''.
يقول بعض الخبراء إن هذه الرؤى المبالغ فيها تشوه الواقع. ويقول بيرت ويدرمان، رئيس المركز الدولي لتطوير سياسة الهجرة، وهو مجموعة تأسست عام 1993 من قبل النمسا، وسويسرا لتعزيز ''سياسات الهجرة المبتكرة، والشاملة، والمستدامة'': ''علينا أن نتوقع زيادة في وصول القوارب إلى الشواطئ الأوروبية. ومع ذلك، هنالك عنصر وحيد مؤكد: من المحتمل للغاية ألا يتجاوز التدفق الطاقة الحالية''.
وفقاً لـ''كلانديستينو''، مشروع الأبحاث الخاص بالاتحاد الأوروبي الذي يجمع البيانات حول الهجرة غير المنتظمة، فإن الجهل والتحيز يسودان بلداناً معينة. وفي فرنسا، حسبما وجدت بيانات المشروع، فإنه: ''يتم إبلاغ الرأي العام بصور مخيفة وخاطئة عن فيضان من المهاجرين غير الشرعيين، ويتم تصوير الأمر في الغالب على أنه غزو، وشكل من أشكال الأصولية الدينية التي يزعم أنها تهدف إلى تغيير الاعتقاد الديني لدى السكان الفرنسيين بشكل ماكر''.
مثل تلك الحجج لا تسري جيداً في إيطاليا، ومالطا، البلدين الأكثر انكشافاً أمام القوارب من إفريقيا. ويقول كارم مفسود بونيتشي، وزير العدل: ''يجب أن يغادر جميع أولئك اللاجئين مالطا. ومالطا ليست في وضع يسمح لها بدمج هؤلاء الناس. وماذا بإمكان مالطا أن تفعله؟ لا يمكننا أن نوسع مساحة جزيرتنا. وفي زمن فرسان سانت جون (منذ عام 1530 وحتى عام 1798) كان عدد سكان الجزيرة 20 ألف نسمة فقط. وأما الآن، فيبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة. وبغض النظر عما نفعله، فإننا وصلنا إلى أقصى حدودنا''.
يوافق جوزيف كاسار، مدير هيئة خدمات اللاجئين اليسوعية في مالطا التي تقدم المساعدة إلى المهاجرين غير الشرعيين، على أن ''طاقة مالطا لاستيعاب، ودمج هؤلاء الناس محدودة بشكل فاعل''. ولكنه يشير إلى المآسي الإنسانية الكامنة خلف تلك الأعداد. ويقول: ''تعرض بعض الناس إلى الضرب، وأجبروا فعلياً على ركوب القوارب. ولقد التقينا بهم وسمعنا قصصهم. وكان العديد منهم في سجون ليبيا، ومراكز الاعتقال إلى عدة شهور، أو حتى سنوات. أو أنهم كانوا بين إيدي المهربين الذين يديرون مراكزهم، ويجمعون الأشخاص لتسليمهم إلى المجموعة التالية من المهربين''.
يلوم وزراء حكوميون في إيطاليا ومالطا معمر القذافي، الزعيم الليبي، بسبب الزيادة الأخيرة في أعداد القوارب التي تصل إلى شواطئ البلدين. وفي الغالب، فإن هذه السفن بالكاد تتحمل السفر بحراً، وتزدحم بمواطنين من غرب إفريقيا، فضلاً عن الصوماليين والإرتيريين. ويؤكدون أن نظام القذافي يسعى إلى بذر الشقاق بين بلدان الاتحاد الأوروبي التي ينفذ البعض منها ضربات جوية على قواته، بجعل الأفارقة يركبون القوارب ويتجهون إلى أوروبا.
على الرغم من ذلك، مثلما هي الحال في العديد من مجالات السياسة، تكون الحكومات في الغالب غير قادرة على مقاومة إغراء توجيه اللوم إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي لفشلها في حل المشكلة. وفيما يتعلق بالهجرة، فإن هذا يعني توجيه اللوم إلى وكالة ضبط الهجرة على حدود الاتحاد الأوروبي، ''فرونتكس''.
يقع مقر ''فرونتكس'' في العاصمة البولندية، وارسو، بعيداً عن قلب أزمة اللاجئين في أوروبا. ولكن ذلك لا يمنع إيكا ليتنين، المدير التنفيذي للوكالة، من تقديم دفاع قوي عن عملياتها. وحينما تمت مقابلته أثناء حدث جرى في العاصمة البولندية للاحتفال باليوم الأوروبي لحرس الحدود، قال الرجل الفنلندي متحدثاً بهدوء: ''هناك وهمان دائمان يتعلقان بالأمر. والأول هو أن ضبط الحدود هو العلاج الشافي لحل جميع هذه الهجرة غير الشرعية، والجريمة العابرة للحدود. والثاني هو أن وكالة فرونتكس مسؤولة عن ضبط حدود الاتحاد الأوروبي.''
حسبما يشير ليتنين، فإن ضبط الحدود يبقى بشكل أساسي مسؤولية كل حكومة على حدة. وتبلغ ميزانيةوكالة فرونتكس السنوية أعلى بقليل من 100 مليون يورو، بعد أن زيادتها هذا العام من 88 مليون يورو، ولكنها ما زالت قطرة في المحيط، مقارنة بعشرات المليارات التي ينفقها الاتحاد الأوروبي على برامج المساعدات الإقليمية، والمساعدات الزراعية. وحينما تزيد وكالة فرونتكس عملياتها لتشديد الضوابط على الحدود، مثلما فعلت على الحدود اليونانية التركية العام الماضي، فإنها تريد من الدول الأعضاء أن تقدم كل شيء، من طائرات الهليكوبتر، إلى السفن، ومعدات الرؤية الحرارية.
ويقول ليتنين في هذا الصدد: ''بإمكان وكالة فرونتكس أن تقدم القيمة المضافة – التحليل الجيد للمخاطر. والتدريب مهم كذلك. وبإمكاننا أن نشجع أفضل الممارسات، وتحفيز الثقة المتبادلة. ولكن الحجم الأكبر من تدابير ضبط الحدود تتخذه الدول الأعضاء أنفسها، من حيث الموظفين، والمعدات، والتمويل. ولا يمكننا أن نبدأ في وكالة فرونتكس بمقارنة ميزانيتها الضئيلة مع ميزانيات تلك الدول''.
أدت عملية وكالة فرونتكس في اليونان إلى نتائج مختلطة. وقبل انطلاقها، كان يتم اكتشاف حوالي 350 شخصاً يحاولون عبور الحدود من تركيا يومياً. ولم يكن أي منهم من الأتراك، وجاء العديد منهم من أفغانستان، وإفريقيا، والشرق الأوسط، وروسيا. وبحلول شهر نيسان (إبريل)، خفضت وكالة فرونتكس العدد إلى 50 أو 60 شخصاً. وأما الآن، على أية حال، أصبح العدد ما بين مائة إلى 150 شخصاً.
تقول سيسيليا مالمستروم، مفوضة الشؤون المحلية في الاتحاد الأوروبي، إن أزمة ديون اليونان أضرت بقدرة البلد على التأقلم مع المهاجرين غير الشرعيين. وتقول: ''إن الدفاع عن الحدود مسألة تتعلق بالموارد، ويفتقد البلد إليها في وقتنا الحاضر. وتحاول الدول الأعضاء فعلياً تقديم المساعدة. وجميع هذه الموارد موجودة إلى حد ما – الإداريين، والخبراء، وما إلى ذلك. ولكن الأمر يستغرق بعض الوقت. وثمة تراكم ضخم في أعداد الباحثين عن اللجوء. وبحلول نهاية العام الماضي، كان العدد 60 ألف شخص، وعلى الأرجح أنه أعلى الآن''.
إن الموارد التي تفوق قدرة اليونان مسؤولة جزئياً عن الضغوط المتزايدة على معاهدة شينجن، حجر الزاوية في تكامل أوروبا الذي يسمح بحرية السفر عبر الحدود بين بلدان الاتحاد الأوروبي المشاركة فيه، البالغ عددها 22 بلداً، إضافة إلى آيسلندا، والنرويج، وسويسرا. وعلى الرغم من أنهما استوفيا المتطلبات الفنية للدخول، إلا أنه تم منع بلغاريا، ورومانيا من الانضمام إلى النظام هذا الشهر، والسبب إلى حد كبير مقاومة الفرنسيين والألمان. وتكمن المشكلة الأساسية في اليونان. ومن شأن ضم هذين البلدان أن يولد جسراً برياً للمهاجرين غير الشرعيين يعبرون منه إلى باقي الاتحاد الأوروبي. ويقول أحد دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي: ''إلى أن تضبط اليونان حدودها جيداً، فلن يتم إدخال بلغاريا، ورومانيا إلى معاهدة شينجن''.
الأمر الذي يزيد من تهديد التداعيات بالنسبة لمعاهدة شينجن هو مبادرة تم إطلاقها في شهر نيسان (إبريل) من قبل نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، وسيلفيو بيرلوسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي، تقضي بمراجعة القوانين بحيث تتم إعادة ترسيخ ضوابط الحدود في ظروف معينة. وظهر الاقتراح بعد أن عبرت فرنسا عن غضبها تجاه إيطاليا لإصدارها وثائق إقامة مؤقتة لآلاف اللاجئين التونسيين الذين يتحدثون الفرنسية الذين وصلوا إلى إيطاليا، ولكنهم أرادوا الانتقال إلى فرنسا، حيث للعديد منهم أقارب وأصدقاء.
انتشرت الحالة المعادية لمعاهدة شينجن خلال الشهر الماضي في الدنمارك التي أعلنت حكومتها خططاً لإعادة العمل بقيود الحدود. وبدا في ظاهر الأمر أن ذلك تنازل كبير لحزب الشعب الدنماركي الشعبوي المعادي للهجرة الذي حصل على ما يصل إلى 14 في المائة من الأصوات في الانتخابات العامة، عام 2007، كما أنه يقدم دعماً برلمانياً رئيساً للحكومة. ولكن مالمستروم تعتقد أن الصور الحقيقية أقل بعثاً على القلق. وتقول في هذا الصدد: ''كان قراراً سياسياً، وليس قطعة من التشريع. وإننا ماضون في محادثات مع الحكومة الدنماركية''.
ربما يكون أشد الجوانب حساسية، وأقلها نقاشاً في هذه المشكلة، هو أنه وفقاً لكثير من الخبراء، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يحتاج مزيداً من المهاجرين في الشؤون المقبلة للتعويض عن التقدم في السن، ومعدلات الولادة المتدنية. وكتب بيتر سوذرلاند، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الهجرة في صحيفة ''يوروبيان فويس''، في الشهر الماضي، أن على الاتحاد الأوروبي إيجاد وسائل للحيلولة دون الهجرة الشاملة من شمال إفريقيا، واجتذاب مهاجرين شرعيين. ''علينا أن نكون جادين في تحرير أنظمة التجارة، وفتح مسارات جديدة للهجرة الشرعية، وزيادة كبيرة في عدد الطلبة من المنطقة الذين يأتون إلى أوروبا من أجل الحصول على التعليم، والتدريب المهني''.
ما من أحد أكثر وعياً من مالستروم بالعقبات التي يواجهها مثل هذا الاقتراح. ''حين أقابل الوزراء المسؤولين عن سياسات العمل، فإنهم غالباً ما يتحدثون عن الحاجة إلى عمال مهاجرين – والحقيقة أننا بحاجة إلى مئات الآلاف، بل إلى الملايين منهم في الأجل الطويل. ولكن حين يتحدث الوزراء أمام جماهير بلدانهم، فإن هذه الرسالة لا تُسمع على الإطلاق''. إنها تعترف بذلك قائلة: ''من الصعب تفسير الحاجة إلى المهاجرين في الوقت الذي تسود فيه بطالة مرتفعة، واحتجاجات في الشوارع، وأزمة مالية، وأناس يعانون من مشكلات بالغة الشدة''. أما في مالطا، فإن سياسيين مثل موسكات يتفقون بقوة مع هذا الرأي، ويقول إن هنالك ضغوطاً سكانية طويلة الأجل في أوروبا ''ولكن ذلك لا يريح أحداً هنا في مالطا ممكن يكونون على خط المواجهة''.