السباق من أجل السيطرة على المواد الخام يزداد حدة. فمنذ أن بدأت التكنولوجيا الحديثة تستنفد هذه المواد، تبحث الدول الصناعية عن مخرج من الأزمة. المفوضية الأوروبية تبنت مؤخراً مبادرة لضمان حصة أوروبا من المواد الخام.
المواد الخام النادرة مثل الروديوم والتنتالوم والكوبالت والكولتان هي التي تسمح بتحويل أحلام الاختراع والابتكار إلى حقيقة ملموسة، وهي موجودة في كافة الصناعات عالية الدقة. فبدون تلك المعادن لما كان هناك الهاتف المحمول ولا شاشات التلفزيون المسطحة أو السيارات الكهربائية. ونظراً للإمكانيات الهائلة التي يتيحها استخدام هذه المعادن في الابتكارات العلمية الحديثة، باتت قطاعات صناعية واسعة مرهونة بتوفير كميات كافية من تلك المعادن، كما هو الحال بالنسبة للصناعة الأوروبية المجبرة على استيراد الكثير من هذه المعادن. ويبدو أن هناك طلباً قوياً في العالم على شراء تلك المواد الخام، في حين أن العرض لا يتناسب مع حجم الطلب. بل ازدادت المخاوف عندما قررت الصين تقليص صادرات تلك المعادن لتتمكن من تغطية احتياجاتها الذاتية، وهذا يشكل تطوراً مقلقاً بالنسبة لأوروبا، التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات الصينية. وقد بدأت بعض الشركات الأوروبية تشتكي من ضيق فرص التموين وارتفاع الأسعار.
شراكة الابتكار من أجل المواد الخام
وتفكر جهات أوروبية منذ سنوات في الوسائل الناجعة لتمكين أوروبا من ضمان حصتها من هذه المواد الخام الثمينة. وفي فبراير/ شباط من العام الماضي عرضت المفوضية الأوروبية في بروكسل استراتيجيتها للمواد الخام، انتقدها البعض واتهموها بالتقصير في بعض الجزئيات الهامة. وبعد حوالي سنة عدلت المفوضية الأوروبية اقتراحها بشأن ما سمي "شراكة الابتكار للمواد الخام"، موضحة بعض المعطيات بشكل ملموس. وتوصي هذه الشراكة بأن تتعاون دول الاتحاد الأوروبي والشركات، إضافة إلى الباحثين من القطاع الخاص والعام، في التنقيب عن المواد الخام واستخراجها ومعالجتها. وفي هذا السياق كتب أنتونيو تياني، نائب رئيس المفوضية الأوروبية: "يجب علينا حشد القوى للاستفادة من المخزون الأوروبي الهائل لضمان المواد الأولية. وهنا يكمن مفتاح قدرة أوروبا اليوم لتطوير تقنيات الغد".
واعتمدت المفوضية الأوروبية أهدافا ملموسة يُتوقع تحقيقها سنة 2020 على أبعد تقدير، ليتم عرض النتائج الأولى بعد سنتين أو ثلاث. ويتجلى الهدف الرئيسي المنشود في استغلال موارد ذاتية للمواد الخام من أجل تقليص الاعتماد على الواردات. ويعبر المسئولون في المفوضية الأوروبية عن تفاؤلهم، مؤكدين أن تقديراتهم تفيد بأن أراضي أوروبا تزخر بموارد معدنية تصل قيمتها إلى نحو 100 مليار يورو، إلا أنها تقبع في عمق يتراوح بين 500 و1000 متر تحت الأرض وفي أعماق البحار.ويصف هوبرتوس بارت، خبير المواد الخام بمعهد الاقتصاد الألماني، في حديث مع DW، البرنامج بأنه خطوة ثمينة، ويقول: "هذا المخطط يأتي متأخراً بعض الشيء. لكن في حال نجاح المشروع، فإن أوروبا ستمضي على الطريق الصحيح". وأوضح الخبير الألماني أنه لا يمكن الحفاظ على قوة المنافسة إلا إذا تم استغلال الموارد الطبيعية بتكاليف مقبولة.
إعادة تصنيع النفايات الإلكترونية
وتدرك المفوضية الأوروبية أنه يجب توظيف التقنيات الحديثة لتساعد في استخراج المعادن الثمينة بشكل فعال وغير مكلف. وعلى هذا الأساس يمكن تحديث قطاع المناجم عن طريق تزويده بالآلات الأوتوماتيكية والتحكم بها عن بعد لرفع القوة التنافسية. كما يجب تطوير مواد بديلة للموارد الطبيعية، وجعل المواد الخام المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية قابلة لإعادة التصنيع بشكل يحافظ على البيئة. وتكشف بعض الأرقام أهمية إعادة التصنيع، فكل مواطن أوروبي ينتج في المتوسط 17 كيلوغراماً من النفايات الإلكترونية في العام الواحد. وتتوقع المفوضية الأوروبية أن تصل هذه الكمية حتى سنة 2020 إلى 24 كيلوغراماً للفرد الواحد.
وبالنظر إلى هذه المعطيات ستوافق دول الاتحاد الأوروبي مبدئياً على شراكة الابتكار، إلا أن الخلافات تبدأ عندما يتعلق الأمر بالتطبيق الملموس وبعض التفاصيل. وفي هذا السياق يقول راينهارد بوتكوفير، نائب رئيس كتلة حزب الخضر في البرلمان الأوروبي: "للأسف لا تعمل جميع البلدان بشكل موحد"، ويذكر في هذا الإطار مثلاً التعامل مع النفايات الإلكترونية، موضحاً أن هذه الأخيرة تمثل مورداً ثميناً للمواد الخام، لأنها تحتوي على العديد من المعادن النادرة التي يمكن إعادة استخدامها. ويضيف بوتكوفير قائلاً: "رغم ذلك فإن جزء كبيراً من النفايات الإلكترونية يتم تصديره بشكل غير شرعي من الاتحاد الأوروبي، وحرقه والتخلص منه في أي مكان، وهذا يتسبب في تسميم الأرض ويدمر صحة الأطفال في بلدان العالم الثالث. كما يؤدي ذلك إلى إتلاف المزيد من المواد الخام"، في حين أنه يجب على الدول الأوروبية فقط تطبيق القوانين القائمة. غير أن التعامل مع هذا الملف يتم بشكل مختلف في كل البلدان.
"الصين لا تملك احتكار المواد الأولية"
وعبر بوتكوفير عن تفاؤله من أن شراكة الابتكار ستساعد على تقليص تبعية أوروبا للصين، التي تبتز الجانب الأوروبي. وبما أن المواد الخام المتاحة لا تكفي، فإن على الاتحاد الأوروبي إقامة شراكات عادلة مع دول منتجة في إفريقيا أو أمريكا الجنوبية. ويقول بوتكوفير في هذا الصدد: "فيما يخص بعض المواد الخام النادرة فإن الصين تظل مهيمنة. لكن ذلك ممكن فقط لأن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لا تقومان بشيء ضد ذلك. الصين لا تملك البتة احتكاراً في هذا القطاع". وحتى خبير المواد الخام هوبرتوس بارت يعتقد أن أوروبا لا يمكن لها التخلص من فخ الاستيراد الصيني إلا بمساعدة أجنبية، مشيراً في هذا السياق إلى أن التحدي الكبير سيتمثل في الحفاظ على الأسواق مفتوحة، كي لا يتأثر التوازن بين واردات المواد الخام وصادراتها، علماً أن الصين تحاول منذ مدة إغلاق سوقها وإجبار الشركات الأوروبية والأمريكية على القيام بالخطوات الأولية في تصنيع المواد الأولية داخل الصين.
الخميس مارس 22, 2012 11:49 am من طرف الكنج