يشكل الأقباط جزءا من الهوية المصرية يتعايشوا نمع غيرهم في هذا البلد منذ آلاف السنين، لكن مؤخرا حدثت توترات ومواجهات ذات خلفيات طائفية أسفرت عن سقوط ضحايا، مما يطرح السؤال عن خلفيات هذا التوتر ومستقبل التعايش في مصر.
تعتبر مصر موطننا للثقافات والأديان المختلفة التي تتعايش مع بعضها البعض، بالإضافة إلى البعد الفرعوني والروماني نجد البعد الامازيغي والعربي. أما على مستوى الأديان فالإسلام والمسيحية اليهودية شكلت الهوية المصرية ولو بنسب مختلفة. في هذا السياق يقول باهر، مرشد سياحي،"ما يجمع المصريين هو حب الوطن بغض النظر عن ديانتهم أو أصولهم". ويضيف أن "هذا التنوع هو رمز الحضارة المصرية".
و يعود أصل كلمة قبطي إلى "أجيبتوس" وهو الاسم الذي كان يطلق على مصر قديما. ولعب الأقباط دورا كبيرا في التاريخ المصري قبل وبعد وصول الإسلام إلى مصر. كما أنجبت مصر شخصيات قبطية لامعة في عالم السياسة، الاقتصاد والفن والثقافة. لكن هذا النجاح "يجلب للأقباط المشاكل أحيانا" كما يعتقد ع. أنيس صاحب حافلات للنقل السياحي، "إذ أن الغيرة يمكن أن يتم تبريرها دينيا وتتحول بعدها إلى كراهية للمسيحي". ويسترسل ع. أنيس في الحديث قائلا أن "الوطن للجميع وهناك فقراء وأغنياء مسلمين وأقباط وهناك أخيار وأشرار في كلا الجانين".
ولا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد الأقباط في مصر، ويتم تداول أرقام مختلفة فهناك من يقول أن عددهم يبلغ حوالي 10 ملايين نسمة بينما يرى آخرون أن العدد يفوق العشرة ملايين بكثير. في أحد الأسواق أحد الشباب الأقباط يدعى مينا الذي قال إن " مكاتب تسجيل الولادات يزور ديانة المواليد الأقباط الجدد ويتم تسجيلهم على أساس أنهم مسلمون".ويضيف الشاب مينا أن "الهدف من التزوير هو إعطاء إحصائيات تزكي فكرة كون الأقباط أقلية في المجتمع المصري". ولم يوضح الشاب المصري كيف يمكن تمرير مثل هذا "التزوير" في بطاقات الهوية والأوراق الثبوتية الأخرى.
الأقباط والثورة المصري
قبل الثورة المصرية كان القمع يطال المسحيين والمسلمين على حد سواء، وكانت الأوضاع المعيشية والاقتصادية للسواد الأعظم من المصريين تتشابه إلى حدي كبير، لكن الثورة التي انطلقت في يناير 2011 شكلت نقطة تحول في نضال الأقباط المصريين. فبعد أن كانوا يقدمون مطالبهم إلى المسؤولين عن طريق السلم الإداري كانت الثورة فرصة لهم لإعلان مطالبهم السياسية والاجتماعية وفضح كل أشكال التمييز التي يتعرضون لها خصوصا في مجال حرية ممارسة عقائدهم وبناء الكنائس. يقول الشاب المصري القبطي مينا "لما خرجنا ضد النظام المصري خرجنا كإخوة؛ أقباط ومسلمون وكان هدفنا واحد وهو إسقاط النظام ودمقرطة البلاد، لكن هذا لايمنع أن يكون لكل فئة فرد مطالب أخرى تختلف من شخص لأخر".
حساسيات دينية زائدة
في العام الماضي انفجرت سيارة ملغومة قرب كنيسة قبطية في الإسكندرية أودت بحياة 21 شخصا وهو الحادث الذي استنكره المجتمع المصري بمختلف ألوانه السياسية وتوجهاته الدينية. وبعد أن اعتقد الكل أن ذلك الحادث هو حالة استثنائية ظهرت مواجهات أخرى بين مسلمين وأقباط راح ضحيتها عشرات الأشخاص، كما كان الحال في ما عرف بموقعة "عبير" التي دارت رحاها بين السلفيين والأقباط أمام كنيسة مارمينا في إمبابة بمصر منتصف عام 2011 وأسفرت عن 12 قتيلاً وأكثر من 200 مصاب من الجانبين.
وتختلف أسباب المواجهات بين المسلمين والأقباط فأحيانا تكون لأسباب دينية خصوصا عندما يعتنق قبطي الإسلام ثم يعلن خروجه منه أو عندما يستهزئ مسلم أو قبطي بديانة الأخر أو عندما تتزوج فتاة من رجل ينتمي إلى ديانة طائفة دينية أخرى. كما وحدثت مواجهات بسبب بناء الكنائس، حيث يشدد القانون المصري على المسيحيين في بناء أو توسعة دور العبادة الخاصة بهم.
ويقول ع. أنيس، "المشاكل بين المسيحيين والمسلمين تعود أساسا إلى غياب الوعي وإلى الجهل. مثلا عندما يتم طرد مسلم أو مسيحي من العمل بسبب عدم كفاءته فإنه يثور ويعتبر سبب طرده تمسكه بديانة غير ديانة رب العمل".ويضيف ع. أنيس أن "تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين هي التي تدفعهم للانغلاق والمبالغة في الحساسية الدينية". وبدوره يرى الشاب القبطي منا أن "المواجهات سببها سوء التفاهم" ويعطي لنا الشاب منا مثالا حيث يقول" عندما تركب في سيارة أجرة ويكون صوت القران الصادر من المذياع مرتفعا جدا وتطلب من السائق أن ينقص الصوت فإنه أو بعض الركاب يغضبون ويبدؤون بالشتم وقد يصل الأمر إلى أمور أخرى".
علاقة متينة والأزمة مفتعلة
من جانبه يرى الكاتب المسرحي محمد يحي عواد ، أن الصراع بين الأقباط والمسلمين" أزمة من صناعة المجلس العسكري لتشتيت الانتباه في هذا التوقيت الحساس قبل أيام من انطلاق الانتخابات الرئاسية ولترسيخ فكرة أن الشعب المصري لا يناسبه حاكم مدني و إنما رئيس عسكري ليعيد الانضباط للبلاد". و يؤكد يحي، الذي ينتمي إلى الأغلبية المسلمة في مصر، أن" العلاقة بين المسلمين والأقباط متينة، يسودها الحب والأخوة ولا يمكن إيقاع المصريين في هذا الفخ بهذا الأسلوب القديم الذي حفظناه جيدا من أيام العهد البائد".
مخاوف من المستقبل
عبر الكثير من الأقباطالذينالتقيناهمأنهم يترقبون كيف سيدبر الإسلاميون قضايا الوطن الشائكة ومن بينها حرية ممارسة المعتقد والانخراط في العمل السياسي بغض النظر عن الديانة. ويتساءل آخرون ما إذا كان الإسلاميون سيسمحونبإنشاء حزب قبطي على غرار الأحزاب الإسلامية. وقد صدرت مؤخرا تصريحات لنواب سلفيين تدعوا إلى عدم السماح بإنشاء المزيد من الكنائس وتحدث آخرون عن "مؤامراتأجنبية" لتقسيم مصر ومنح الأقباط حكما ذاتيا في بعض المناطق.
الأربعاء مارس 21, 2012 11:15 am من طرف الكنج