بمناسبة مرور خمسين عاما على توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في الجزائر بين الحكومة الفرنسية و"جبهة التحرير الوطني" في مدينة إيفيان الفرنسية. يتوقف صادق بوقطايا، مسؤول العلاقات الخارجية في البرلمان الجزائري، عند أهمية هذه الذكرى بالنسبة للجزائريين اليوم. ويركز على ضرورة تقديم فرنسا اعتذارا على ما اقترف بحق الشعب الجزائري في تلك الحقبة من أجل طي هذه الصفحة وبناء علاقات على أسس جديدة بين البلدين.
ماذا تعني للجزائريين ذكرى توقيع اتفاق "إيفيان"؟
بدون شك إن اتفاقية " إيفيان" لوقف إطلاق النار، التي وقعّت بعد مفاوضات عسيرة وطويلة بين الثورة الجزائرية بقيادة " جبهة التحرير" وفرنسا التي كانت تحتل الجزائر آنذاك، أدت إلى استرجاع الجزائر سيادتها.
وتعتبر هذه المناسبة للجزائريين بمثابة ذكرى تسترجع فيها تضحيات الشعب الجزائري وكفاحه من أجل الحرية والسيادة والاستقلال.
هذا وتصادف الذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية عشية انتخابات للبرلمان الجزائري، وهذا أيضاً يُعدُّ حافز من حوافز الشعب الجزائري للقيام بانتخابات ديمقراطية تعددية يشارك فيها أكثر من ثلاثين حزب وقوائم حرة.
ومن الطبيعي أن تتعاون الجزائر كدولة ذات سيادة مع فرنسا من أجل مصالح الشعبيَن الفرنسي والجزائري. كما أن المساهمة في جعل حوض البحر الأبيض المتوسط منطقة سلام وأمن بشكل حقيقي وفعلي، يخدم مصالح كل شعوب المنطقة وخاصة مصلحة البلدين والشعبين الجزائري والفرنسي.
بالرغم من مرور خمسين عاماً على استقلال الجزائر، هناك صعوبة في التوصل إلى مصالحة شاملة بين فرنسا والجزائر. إلى ماذا تعزو هذا الفشل؟
أولاً العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية تمر دائماً بتراكمات ومدٍّ وجزر، أحياناً تكون طبيعية وأحياناً أخرى غير طبيعية. ومن خلال تصريحات مسؤولين فرنسيين في بعض وسائل الإعلام الفرنسية، فهم يضعون الثورة الجزائرية في نفس المستوى مع الاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث يعتبرون أنّ ما حدث في الجزائر هو جريمة بحق الطرَفين، وأن لا تفاوت بين المحتل والذي احتلّ، بين الجلاد والضحية.
وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً، أيام الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك حصل شبه اتفاق على إقامة ميثاق صداقة بين فرنسا والجزائر، لكنه في النهاية لم يتم لأن هناك مطالب لم تنفذ.
الجزائر تطلب من فرنسا تقديم اعتذار للجزائريين، لكن فرنسا ترفض حتى الآن الدخول في هذا المنطق. ما هو السبيل للخروج من هذا المأزق؟
إنها مسألة وقت، لأن التاريخ سيظل تاريخاً ولا يُنسى. وفي فرنسا اليوم بعض المسؤولين أو الأطراف التي تحمل ثقافة الفكر الاستعماري التي تعمل على عدم الاعتراف بشيء قد يجسّده التاريخ في المستقبل. لكن هناك نسبة كبيرة من الأشخاص في المجتمع الفرنسي من إعلاميين ومثقفين ورجال مسرح أو بعض السياسيين الذين يقولون أنه لا بد من الاعتراف بما حصل في الجزائر حتى تصبح الأمور طبيعية بين البلدين.
نتمنى عندما يأتي رئيس فرنسي جديد أن يأخذ بعين الاعتبار أهمية العلاقات بين فرنسا والجزائر لاعتبارات عديدة. فالجزائر دولة ذات موقع استراتيجي، لها كل الإمكانيات الاقتصادية وهي سوق كبيرة، وهناك الكثير من المؤسسات الفرنسية التي لها نشاطات في الجزائر. هذا بالإضافة إلى أن هناك تواصل تاريخي بين الشعب الفرنسي والشعب الجزائري، والجزائر لها جالية كبيرة في فرنسا تسعى إلى أن تحترَم حقوق جاليتها، فضلاً عن احترامها لقوانين الدولة الفرنسية.
سيظل مطلب الجزائر عالقاً إلى أن تتغير الأفكار وتتبدل الذهنيات الموجودة لدى المسؤولين الفرنسيين. عندما تعترف فرنسا بما قامت به في الفترة التي عاشها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، سوف لن يترتب عن ذلك شيء سلبي، بل على العكس سيعزز هذا الاعتراف العلاقات بين البلدين ويدعّمها.
الأربعاء مارس 21, 2012 11:51 am من طرف الكنج