الرحلات إلى الفضاء الخارجي بدلاً عن الاستلقاء على الشواطئ المشمسة حلم يراود الكثيرين، لكن هذه الأحلام سرعان ما تتلاشى أمام التكاليف الكبيرة والعقبات التقنية الجمة. فهل تبقى السياحة الفضائية مجرد حلم صعب التحقيق؟
يمكن للأشخاص الذين ملوا الرحلات إلى أماكن سياحية على كوكبنا الأزرق، أن يقضوا قريباً عطلاتهم في الفضاء الخارجي، كما تأمل بعض الشركات التي تعمل على إقامة مثل هذه المشاريع حالياً. وتهدف هذه المشاريع إلى إخراج السائحين المتحمسين لقضاء أوقات في الفضاء الخارجي، إذ سيحلقون في كبسولات خاصة في رحاب الكون القاتم وتحتهم يظهر كوكبنا الأزرق، بعيداً عن جاذبية الأرض.
لكن هذه الرحلات ستكلف الكثير من الناحية المادية، إذ تفترض الشركات التي تخطط لمثل هذه الرحلات أن تكون التذكرة بين 100 أو 200 ألف دولار أمريكي، لكن مقابل متعة قصيرة فقط، إذ لا يبقى السائحون إلا لدقائق معدودة في الفضاء. وليست هناك خطط لدى هذه الشركات للقيام برحلات للدوران حول الأرض.
كبسولة لسياحة الفضاء
الرحلات السياحية إلى الفضاء في الوقت الراهن ليست لها علاقة بالرحلات الفضائية الحقيقية، ومنها الرحلات على متن صواريخ سيوز الروسية أو مكوكات الفضاء الأمريكية في السابق. ولم تجر أي من الرحلات إلى الفضاء لأغراض تجارية إلا على متن مركبة "سبيس شيب وان". ففي عام 2004 حلقت هذه المركبة الصاروخية في ثلاث رحلات على ارتفاع أكثر من 100 كيلومتر، حيث يبدأ الفضاء وفق التعريف السائد. لكن في الحقيقة فإن هذه الرحلات لا تتعدى كونها مجرد استعراض للخبرات التكنولوجية.
المركبة الصاروخية الصغيرة مركبة "سبيس شيب وان" رُبطت على ظهر مركبة حاملة كبيرة، ومن ثم تنفصل عنها بعد الارتفاع لعدد من الكيلومترات. ومن ثم تعمل محركات الدفع لمدة دقيقة، لتنطلق المركبة إلى الأعلى بشكل عمودي تقريباً. وبعد توقف المحركات على ارتفاع 60 كيلومتر تقريباً تحلق المركبة كحجر مرمي لتصل إلى حاجز المائة كلم السحري الفاصل بين الفضاء الخارجي وجو الأرض. وعادت مركبة "سبيس شيب وان" في النهاية إلى الأرض بعد تحليق لم يستمر لأكثر من نصف ساعة.
آمال كبيرة وصعوبات تقنية
وفيما نجح الخبراء بسرعة في تطوير المركبة الاختبارية، تواجه عملية بناء مركبة، تعتمد عليها الرحلات إلى الفضاء الخارجي بشكل روتيني، صعوبات. ووفق الخطط الأصلية كان يجب أن تكون المركبة من الجيل اللاحق "سبيس شيب تو" قد دخلت العمل منذ سنوات عدة، وتحمل طيارين وست مسافرين إلى الفضاء الخارجي بشكل منتظم. لكن المركبة الجديدة لم تخضع إلا لعدد من الاختبارات الجزئية. ومن غير المعروف بعد ما إذا كان من الممكن أن يبدأ تشغيلها تجارياً في هذا العام. وحتى مع دعم الملياردير ورجل الأعمال السير ريتشارد برانسون للشركة، إلا أن هناك الكثير من العقبات الفنية التي يجب التغلب عليها.
وحتى مجموعة الفضاء شركة الصناعات الجوية والعسكرية الأوروبية "إيدس أستريوم" دخلت هي الأخرى المنافسة في هذا المجال. ففي عام 2007 تم تقديم خطط خاصة لبناء مركبة فضاء في معرض الصناعات الجوية في باريس، كما عُرض نموذج طموح في المعرض. لكن لم يُسمع عن المشروع شيء بعد ذلك، باستثناء بعض المقاطع المصورة لعمل المركبة، ولم يعد هناك من يتحدث عن بدء عمل المركبة عام 2012.
رؤى واقعية أم مجرد خيال؟
لكن مجال المنافسة لم يعد يقتصر على الشركات العملاقة، وإنما دخلته مؤخراً الكثير من الشركات الخاصة الصغيرة: ويعمل فريق من المتحمسين الدانمركيين الآن على بناء مركبة صغيرة جديدة، تتكون بعض أجزائها من الزجاج الشبكي والفلين. ويخطط الفريق لإطلاق المركبة، التي تتسع لشخص واحد فقط، إلى أطراف المجال الجوي للأرض على منصة في بحر البلطيق، ومن ثم تهبط الكبسولة المزودة بمظلة في البحر. ويقول المصممون إن تكلفة الصاروخ لا تزيد عن 40 ألف يورو. لكن الفريق لم يقم بأي تجربة اختبارية للمركبة بعد.
كما تخطط شركات أخرى لإطلاق مركبة مأهولة خاصة خلال السنوات القادمة من جزيرة كوراساو في البحر الكاريبي لتجاوز حاجز المائة كيلومتر. وعلى الرغم من الانتهاء من تصميم بعض أجزائها، إلا أنه لم يتم بعد وضع دراسات عن المركبة النفاثة الصغيرة، التي تعد شركة أس أكس سي أن يكون المسافر نفسه طياراً مساعداً فيها.
رحلة لرؤية جانب فقط من الكوكب الأزرق
على أي حال يبقى أن من غير المعلوم ما إذا سيكون الزبائن راضين عن هذه الرحلات القصيرة فعلا. والجهد البدني أثناء الرحلة ليس أكثر من ذلك الذي يبذله المرء في السفينة الدوارة، فالمرء يشعر بانعدام الوزن، بينما يتحرك خلف نوافذ المركبة، ورؤية أبعاد الكون القاتمة التي يخترقها منظر الشمس والنجوم.
لكن ذلك لم لا يُقارن حتى الآن برحلة حقيقية إلى الفضاء الكوني: إذ لا يمكن من هذا الارتفاع رؤية الكرة الأرضية كاملة، بل يمكن فقط رؤية جانب صغير من الأرض ما يُقدر مساحته بمساحة ألمانيا فقط. كما أن هذه المتعة لا تستمر إلا لوقت قصير يصل إلى خمس دقائق تقريباً.
مركبات حقيقية لأغراض عسكرية
وإذا كانت هذه الرحلات إلى حافة الغلاف الجوي تستغرق وقتاً أطول، فسوف لن تكون مثيرة لاهتمام السياح الأثرياء فقط، فالخبراء العسكريون يطمحون منذ وقت طويل لتصنيع مركبات طائرة، يمكن أن تصل في ارتفاعات كبيرة في وقت قصير وتصل أي مكان على الأرض خلال ساعات معدودة. لكن المركبات الصاروخية لا تقطع مسافات شاسعة رغم وصولها ارتفاعات كبيرة.
إن بناء مركبات فضائية قادرة على قطع مسافات كبيرة يجب أن يكون من الناحية الإستراتيجية مستقلا عن القواعد العسكرية في بلدان أخرى أو حاملات الطائرات. كما أنها ستثير اهتمام رجال الأعمال الراغبين في أن يستقلوا مركبة تنقلهم بسرعة من نيويورك إلى سيدني الأسترالية مثلاً. لكن التجارب الهادفة إلى صناعة مثل هذه المركبات منيت بالفشل حتى الآن.
صعوبة الحصول على تذكرة سفر إلى الفضاء
سبعة سياح كانوا فعلا في الفضاء، أي الدوران حول كوكب الأرض. في العقد الماضي قام الروس بإتاحة أماكن شاغرة على متن رحلاتهم في كبسولات سيوز، وأخذوا بعض السياح إلى محطة الفضاء الدولية للإقامة هناك لمدة أسبوعين، وذلك مقابل 30 مليون دولار أمريكي، بما في ذلك إقامة كاملة في المدار.
لكن من يريد القيام بمثل هذه الرحلات ولديه المالي الكافي لتمويلها، سيصاب حتما بخيبة أمل كبيرة، ذلك أنه بعد انتهاء الرحلات الفضائية على متن المكوكات الأمريكية، أصبحت إمكانية السفر إلى الفضاء تقتصر على رواد الفضاء. أما السياح الراغبون في استطلاع الأجواء الخارجية فلا يمكنهم حاليا الحصول على أي تذكرة سفر إلى الفضاء.
الجمعة مارس 02, 2012 5:48 am من طرف الزعيم