في الوقت الذي تعاني فيه ألمانيا من نقص حاد في العمالة الماهرة، يهاجر أبناء المهاجرين من الحاصلين على الشهادات العليا إلى أوطان آباءهم للبحث عن فرص عمل أفضل. ظاهرة تدفع رجال السياسة والاقتصاد إلى دق ناقوس الخطر.
تعكف توجبا حالياً على تحضير بحث التخرج لنيل شهادة البكالوريوس، وترغب بعدها في الحصول على شهادة الماجستير وعلى وظيفة في وطنها. وطنها هو ألمانيا ووطن أبويها هو تركيا. بذلت الشابة، التي تنحدر من أسرة تركية مهاجرة، قصارى جهدها في التعليم حتى تستطيع الحصول على فرص جيدة في سوق العمل. لكن الشابة الألمانية التركية تقول بأن الشك يساورها حول إمكانية الحصول على وظيفة في ألمانيا : " أصدقائي يرسلون مئات الطلبات للحصول على عمل ولا يجدون شيئاً". توجبا تنظر بعين التشاؤم إلى مستقبلها المهني في ألمانيا.
وتقول توجبا أكيازي (Tugba Akyazi) إن حتى حاملي الشهادات الجامعية الجيدة يقضون شهوراً طويلة في البحث عن وظيفة، وتوضح " عندما قام أصدقائي بتقديم طلباتهم في الخارج، حصلوا على وظيفة في الحال وأحياناً بشروط ممتازة". ورغم أن الفتاة البالغة من العمر 26 عاماً تتمنى البقاء في ألمانيا، فإنها تفكر في البحث عن وظيفة في الخارج، فهي لا تريد إهدار وقتها في البحث.
فرص العمل قليلة
أما صبري التيندال (Sabri Altindal) فلا يريد البقاء إطلاقا في ألمانياً. هذا الشاب درس هندسة الاقتصاد في مدينة كريفيلد (Krefeld) وقام بتدريب عملي في تركيا، وهو على وشك إنهاء دراسة البكالوريوس. ويتمنى أن يدرس الماجستير في الخارج ليبحث بعدها عن وظيفة في اسطنبول، ربما في إحدى الشركات الألمانية. الطالب البالغ من العمر 27 عاماً مقتنع بأن اسطنبول تتيح فرصا أفضل للعمل " تشهد تركيا نمواً اقتصاديا سريعاً وهي مركز جذاب للكثير من الشركات الألمانية والأوروبية".
قدراته اللغوية والثقافية ستساعده في الحصول على وظيفة، ولاسيما في الشركات الألمانية، التي لديها فروع في تركيا ويقول صبري "عملت مؤخراً لمدة خمسة أشهر في مرسيدس بنز في تركيا، وأرى أن هناك فرصاً أفضل من ألمانيا لتحقيق طموحي الوظيفي"، كما يقول.
ازدهار الاقتصاد في مضيق البوسفور
توجبا وصبري هما مثالان على تطور تاريخ الهجرة التركية، حيث أصبح الشباب المؤهلون من أصل تركي يهاجرون بشكل متزايد إلى تركيا، التي أصبحت تمارس قوة جاذبية على العديدين منهم. وتشير النتائج الأولية لبحث، يجريه معهد الاقتصاد الدولي (HWWI) في مدينة هامبورغ إلى أن ظاهرة التمييز الموجودة في المجتمع الألماني هي واحدة من الأسباب، التي تقف وراء نقص فرص العمل المواتية للمهاجرين الأتراك. كما أن الاقتصاد المزدهر في مضيق البوسفور يغري الكثير من الشباب للهجرة. وترصد غرفة الصناعة والتجارة التركية الألمانية حركة الهجرة المعاكسة أيضاً، وتقول فايزة بيرغر(Faize Berger) من مجلس إدارة الغرفة إن " ألمانيا كانت دائما جذابة، ولكن هذا الأمر آخذ في التغير قليلا"، وتوضح بيرغر أن هذا التطور مرتبط أيضاً بحالة الازدهار الاقتصادي التي تشهدها تركيا، وتضيف بيرغر " تبلغ نسبة النمو الاقتصادي حوالي 6 أو 7 % ، الأمر الذي يجعل البلاد جذابة بالفعل. ويرى الكثير من الشباب في تركيا بديلاً، لأن لديهم جذورا عائلية هناك" ، كما نشأت فرص عمل جديدة مع ظهور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة التي أصبغت العالمية طابعاً جديداً.
نقص شديد في العمالة الماهرة
تبعث هجرة الشباب المؤهلين على القلق نظرا للنقص الذي تعاني منه ألمانيا في العمالة الماهرة. الشركات الألمانية تدق ناقوس الخطر. وأظهرت دراسة حديثة أن 34 % من الشركات الألمانية ترى أن نقص العمال ذوي المهارات العالية يشكل خطراً على التطور الاقتصادي، كما يقول مارتن فانسليبين (Martin Wansleben)، الرئيس التنفيذي لاتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية. وتعاني قطاعات البناء والتشييد، وصناعة تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية من نقص شديد في العمالة الماهرة. كما أن فتح الباب لهجرة العمالة الماهرة لن يكفي لتعويض هذا النقص. لكن الكثير من خريجي الجامعات مثل توجبا وصبري لا يتحلوا بالصبر، فعملية تقديم الطلبات طويلة المدى. وتقول توجبا أكيازي "أحب أن أبقى هنا، سأعطي ألمانيا ثلاثة أو أربعة أشهر، إذا لم أجد شيئا، فسأضطر إلى حزم حقائبي والبحث عن فرصي في مكان آخر". وتقول الشابة إنها استثمرت الكثير لتصل إلى ما وصلت إليه، وإنها لا تريد أن تضيع وقتها. أما صبري فيرى أن هناك فرص عمل مغرية في تركيا، ويقول "نحن نعيش في عصر العولمة وهذا يعني العمل والعيش في أي مكان في العالم".
انعدام الانفتاح تجاه الثقافات الأخرى
يرى السياسيون في هجرة الشباب المؤهل من ألمانيا باعثاً على القلق وذلك لسبب آخر، فالمهاجرون الناجحون يمثلون القدوة في المجتمع، كما يقول اوزكان موتلو(ضzcan Mutlu)، العضو في حزب الخضر الألماني. فهؤلاء المهاجرون دليل على إمكانية تحقيق النجاح، إذا بذل الإنسان ما في وسعه، كما يقول. ولكن ما الذي يجب تغييره في ألمانيا لتقديم فرص عمل أفضل للشباب المنحدرين من أسر مهاجرة والمؤهلين تأهيلا عاليا؟. فايزة بيرغر من غرفة الصناعة والتجارة التركية الألمانية تجيب على هذا السؤال قائلة "أعتقد أنه يجب أن يكون هناك انفتاح أكثر تجاه الثقافات الأخرى. ليس المهم العرق أو الجنسية أو الخلفية الثقافية، بل كيفية تعاملنا مع بعضنا البعض". وترى بيرغر أنه لا يمكن الاستفادة من التنوع الثقافي، ورؤية التنوع باعتباره مكسبا للمجتمعات التي تحتضنه.
الخميس مارس 22, 2012 2:14 am من طرف الكنج