تمثل ولاية بافاريا مزيجاً متناسق الألوان للتقاليد والطبيعة الخلابة والشواهد المعمارية في مدن الولاية الأكبر مساحة في ألمانيا. كما أنها أضحت بعد الحرب العالمية الثانية مركزاً حيوياً يشكل عماد الاقتصاد والصناعة.
تعتبر ولاية بافاريا، التي تقع في الجزء الجنوبي من ألمانيا، من أكبر الولايات الألمانية مساحة إذ تبلغ مساحتها قرابة 70 ألف كيلومتر مربع. كما أنها تحتوي على أكثر الجبال ارتفاعاً في ألمانيا وهي جبال الألب التي تمتد باتجاه النمسا. ُسكنت المنطقة في العصور الغابرة من قبل الفرانكيين والشفابن والبافاريين القدماء. وتشتهر بافاريا بطبيعتها الخلابة وأنهارها الكثيرة كالايلر والليش والايزار التي تجري لتصب في نهر الدانوب. وقد شهدت بافاريا فترة طويلة من الانقسام إلى عدة دوقيات وإمارات في الفترة التي امتدت من عام 1255 وحتى 1503 عندما نجح لودفيج الخامس بتوحيد بافاريا تحت سلطته. ويبدو أن اسم بافاريا قد ارتبط بمرحله هامة من خطوات تطر اللغة الألمانية ارتباطا وثيقاً. فقد غيرت طريقة كتابة المقاطعة عام 1825 في زمن الملك لودفيج الاول من Baiern إلى Bayern بعد أن استعار هذا الملك حرف Y من الأبجدية اليونانية، وذلك بعد أن أصبح ابنه الملك أوتو الأول ملكاً على اليونان واختار فيما بعد اللونين الأزرق والأبيض ليكونا علماً لبافاريا، والذي ما زال يرفع على الكثير من بناياتها حتى اليوم.
لوحة معمارية تعبق بالماضي
تحققت اكبر إنجازات بافاريا المعمارية خلال فترة حكم الملك "هاينرش" حيث قامت أسرة "فتلتسباخ" بتشييد أهم الإنجازات التي لا تزال شامخة حتى اليوم وشاهدة على روعة إبداع الفن البافاري المعماري، الذي تجلى في الكثير من المتاحف والقصور ذات الطراز المعماري الباذخ إضافة إلى القلاع. ولكن هذا الطراز المعماري شهد نوعاً من الحداثة مع وصول الملك لودفيج الأول الذي كان له الفضل الكبير في ابتكار أساليب معمارية جديدة.
وتشكل بافاريا لوحة من التاريخ الغني بالأحداث والطبيعة الجميلة والآثار الثقافية، وهو ما يجعلها قبلة متميزة للسياحة العالمية عموماً، إذ يبلغ مردود السياحة في المقاطعة قرابة 26 مليار يورو سنوياً وبشكل يوفر 330 ألف وظيفة لسكان الولاية. ولعل أهم الشواهد المعمارية القديمة في بافاريا هي "كنيسة السيدة مريم العذراء" في قلعة "مارينبيرغ" التي تقعد بالقرب من مدينة "فورتسبورغ"، إذ يعود تاريخ إنشاء هذه الكنيسة إلى عام 706 بعد الميلاد.
كما أن بلاط ميونخ يمثل شاهداً حياً على التزاوج بين طرازي الباروك والروكوكو، اللذان يمتازان بروعة الإنجاز والتقنية العالية في استخدام الألوان المختلفة. وإضافة إلى ذلك فإن بافاريا تشتهر كذلك بأماكن التزلج على الجليد، حيث تكثر المساحات الخضراء في الصيف والممتزجة بأساطير قديمة توحي بالماضي من خلال القصور والقلاع القديمة التي تنتشر على مرتفعات المنطقة وتلالها. كما تعد مدينة ريغنزبورغ من أهم المعالم السياحية في المقاطعة، التي يرجع بنائها إلى القرن الثالث عشر الميلادي، حيث يقوم أقدم جسر حجري في ألمانيا. أما دار الأوبرا الملكية القديمة تعتبر كذلك واحدة من أجمل المسارح المزخرفة في العالم كله.
تقاليد حية ضاربة في القدم
لا تخلو قرية من قرى بافاريا من ثلاثة أماكن تقليدية هي الكنيسة والمطعم وبناية الاطفائية، ولكن في الوقت نفسه هناك نادي أو ناديين للرماية في كل قرية. ودافع إقبال سكانها قد لا يكون الحصول على الشهرة الرياضية وحدها، بل المحافظة على هذا التقليد الذي يبقى حياً من خلال مهرجانات الرماية التي تقام في المقاطعة. وهذا التقليد يمثل مثله مثل المهرجانات الأخرى والقداسات والجلوس حول الموائد العامرة بالبيرة عماد التقاليد البافارية المتوارثة منذ أمد بعيد. فالاهتمام بالرماية يعود إلى سبعة قرون ماضية.
أما السراويل الجلدية فلها هي الأخرى مكانة تميز البافاريين عن سكان الولايات الألمانية الأخرى في مجال الملابس الفلكلورية. وتُصنع هذه البناطيل البافارية من جلد الأيل و الوعل، ولكن صانعي هذه السراويل الفلكلورية يستخدمون بصورة خاصة جلد الأيل الأحمر. ويتم توارث هذه السراويل من جيل إلى آخر بعد أن تتم العناية بها من خلال دهنها بالزيت الذي يجعل ملبسها مريحاً. ومازال البافاريون حتى اليوم يرتدون هذه السراويل في المهرجانات والاحتفالات الفلكلورية كمهرجان أكتوبر، الذي يقام سنوياً ويستقطب جموعاً كبيرة من السواح من داخل ألمانيا وخارجها.
تكامل اقتصادي
تعد ولاية بافاريا ولاية شبه متكاملة من الناحية الاقتصادية، لامتلاكها ثروات زراعية ومعدنية وزراعية وحيوانية ضخمة. كما أن الصناعة فيها مزدهرة فيها، وقد يتمثل هذا الازدهار في أماكن وأشكال عدة. إضافة إلى ذلك تتخذ شركتا بي أم في وأودي لصناعة السيارات من بافاريا مقراً لمصانعها. وعلى مستوى المواصلات فإن الولاية، التي يعتبر مطارها في ميونخ ثالث أكبر واهم مطار ألماني، تتمتع بأطول شبكة طرق سريعة وقطارات على مستوى ألمانيا. ولم تشهد أية ولاية ألمانية أخرى تغييراً ملحوظاً في بنايتها الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية مثل بافاريا التي شهدت طفرة صناعية لم يسبق لها مثيل في ألمانيا.
وفي السنوات اللاحقة تحولت بافاريا من مقاطعة زراعية كبيرة إلى مركز للمشروعات الصناعية والخدمية الحديثة في ألمانيا. أثر ذلك تراجعت إسهامات الزراعة إلى 1 بالمائة فقط من إجمالي الدخل. كما ان بافاريا تشتهر إضافة إلى ذلك بصناعة السفن الفضائية وصناعة الالكترونيات الدقيقة وتمتلك أكبر مزرعة لتوليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية في العالم، إذ تولد هذه المزرعة ما يصل إلى 10 ميغاواط من الطاقة التي تكفي لتزويد قرابة 8000 منزل بالتيار الكهربائي.
الخميس مارس 22, 2012 12:09 pm من طرف الكنج