يتوجه اليمنيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد. غير أن الانتخابات تأتي في وقت يهدد فيه شبح الانقسام واندلاع العنف أمن البلاد، فيما تنادي مجموعات من شباب الثورة والحوثيين والحراك الجنوبي بمقاطعتها.
في الأسابيع الأخيرة قل اهتمام وسائل الإعلام بالأحداث في اليمن إلى حد كبير نسبياً، وذلك بعد أن جذبت الأحداث في سوريا، حيث يرتفع عدد القتلى يوماً بعد يوم، أنظار العالم إليها. ويبدو للوهلة الأولى أن اليمن خرج سليماً من مأزق كان مشابهاً لحرب أهلية. فهل انتهت انتفاضة الشعب اليمني على خير؟ هناك مؤشرات كثيرة على أن هذا لم يحدث.
خطر الجماعات الأصولية والنزاعات القبلية
تعيش اليمن حالياً، وهي إحدى البلدان العربية التي اندلعت فيها احتجاجات الشارع بشكل حاد ومبكر في خضم الربيع العربي، أياماً حافلة بالأحداث. فالمخاطر التي كانت تحدق بالبلد العربي الفقير قبل اندلاع الثورة، عادت لتهددها الآن مجدداً، ألا وهي مخاطر اندلاع أعمال العنف مجدداً بين القبائل المتناحرة، والحركات الانفصالية، والمجموعات المتعصبة الإسلاموية التي يتسع نفوذها في اليمن يوماً بعد يوم.
وإذا ما دققنا النظر في هذه القضية، تبدو اليمن وكأنها قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة. وبالرغم من أن علي عبد الله صالح سلم السلطة إلى نائبه بموجب مبادرة الدول الخليجية وغادر البلاد للعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الصراعات الداخلية التي غطت عليها ثورة الشباب لفترة قصيرة، يمكنها أن تتفجر مجدداً في كل لحظة. والانتخابات المبكرة التي نصت عليها مبادرة السلام الخليجية لتهدئة الأوضاع في اليمن، والتي ستجرى في الحادي والعشرين من شباط/ فبراير الجاري، أصبحت هي نفسها عاملاً يذكي الخلافات بين الأطراف المتنازعة، وهم شباب الثورة والحكومة الانتقالية والقوى الانفصالية
"الانتخابات هي خيانة للثورة"
جزء كبير من شباب الثورة الذين اعتصموا في ساحات وشوارع المدن اليمنية على مدى أشهر طويلة، هم ضد الانتخابات. "الانتخابات هي خيانة للثورة وللشهداء الذين قدمتهم الثورة"، كما يقول وسام محمد السامعي، أحد شباب الثورة من مدينة تعز، مهد الثورة اليمنية. وينتقد السامعي بالأخص حقيقة أن "الانتخابات هي جزء من المبادرة الخليجية التي تضمن لعلي عبد الله صالح وشركائه السياسيين الحصانة من الملاحقة القضائية." لذلك سوف يقاطع السامعي ومعه جزء كبير من الثوار الانتخابات الرئاسية المبكرة.
ومن مقاطعي الانتخابات أيضاً مجموعة الحراك الجنوبي، لأن جزءً كبيراً من اليمنيين الجنوبيين يطالبون منذ زمن طويل بالمزيد من الحقوق وبإشراكهم في الحياة السياسية وصنع القرارات التي تُتخذ في صنعاء. لذلك انضموا هم أيضاً إلى الحراك الثوري الذي بدأ مطلع العام الماضي في اليمن. ويعتبر الجنوبيون أن الانتخابات هي وسيلة النظام للحيلولة دون حدوث تغيير يصب في مصلحة الجنوب، ومحاولة لإقصائهم عن المشاركة في صنع القرارات السياسية. لذلك لن يشارك الحراك الجنوبي في الانتخابات أيضاً.
أضف إلى ذلك أن الحكومة اليمنية تتصارع مع المجموعة الانفصالية من الحوثيين في شمال البلاد منذ أعوام ـ صراع يتأجج بين الحين والآخر ويتسبب في مواجهات عنيفة بين القوات النظامية والحوثيين، مع تدخل السعودية كطرف ثالث في هذا الصراع. كما أن المراقبين يرون في زيادة نفوذ الجماعات الإسلاموية المتطرفة وخصوصاً في منطقة أبين عاملاً يزعزع أمن المنطقة ويجعل إجراء الانتخابات الرئاسية في هذه الأوضاع محفوفاً بالمخاطر ومليئا بالمشاكل.
انتخابات دون خيارات متعددة
وعلى كل حال فإن كلمة "انتخابات" ليست صائبة، لأن الأحزاب الممثلة في البرلمان اليمني وافقت بالإجماع على نائب الرئيس كمرشح وحيد للرئاسة. ولم يكن هناك أي مرشح غير عبد ربه منصور هادي، نائب علي عبدالله صالح الذي نقل إليه صلاحياته قبل أن يتنحى. "هذه ليست انتخابات بالمعنى المعهود، بل هي بالأحرى نوع من الاستفتاء" كما يقول دكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ علوم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء.
غير أن الصلاحي، بخلاف الناشط وسام السامعي، يرى أن الانتخابات قد تكون عاملاً يساعد على جلب الاستقرار إلى البلاد: "من الممكن أن تمهد الانتخابات الطريق للمرحلة الانتقالية والحوار البناء بين جميع الأحزاب." ويرجح الصلاحي أن تصوت شرائح عريضة من الشعب اليمني لصالح المرشح هادي، غير أنه يقول إن التصويت لهادي هو تصويت للاستقرار والأمن في البلاد، أكثر منه لعبد ربه منصور هادي شخصياً، أي أنه تصويت لانتقال منظم باتجاه الديمقراطية مع الحفاظ على أكبر قدر من الاستقرار خلال هذه الفترة.
لكن رأي الناشطين الشباب في هذا الموضوع مختلف جداً عن رأي المحلل السياسي. هذه الانتخابات ليست ديمقراطية إطلاقاً، كما يقول الناشط في شباب الثورة وسام السامعي. فهو يرى فيها أداة لأطراف خارجية ـ مثل الغرب ودول الخليج العربي ـ لتثبيت مرشحهم المفضل هادي في السلطة وإعطاء الحكومة الانتقالية طابعاً ديمقراطيا. إلا أن السامعي والصلاحي يتفقان في نقطة واحدة: بغض النظر عما إذا كانت الأطراف المختلفة في المشهد السياسي اليمني ستقاطع الانتخابات أم لا، فإن هذا سيكون من حقها. ويؤكد الناشط السامعي على أن شباب الثورة "سيقاطعون الانتخابات ولكنهم لن يقفوا في طريقها."
بوتين كقدوة لعلي عبد صالح؟
بيد أن ما يقلق السامعي هو استمرار وجود علي عبد الله صالح في السلطة فعلياً، عن طريق أبنائه وأقاربه، رغم أنه تنحى ونقل صلاحياته لنائبه. ويقول السامعي منتقداً: "عملياً ما زال صالح في السلطة، فهو وأقرباؤه يسيطرون على الجيش والحكومة الانتقالية". هل سيكون إذاً بإمكان صالح، الذي حكم اليمن لثلاثة وثلاثين عاماً، أن يعود من الباب الخلفي إلى البلاد ليتربع على كرسي الحكم من جديد؟
هذا الأمر ليس مستبعداً أبداً، حسب تقدير باحث علوم الاجتماع السياسي فؤاد الصلاحي: "بوسع صالح أن يجد حلاً روسياً للعودة إلى السلطة. بإمكانه مثلاً أن يترشح لرئاسة الحزب الحاكم لمدة سنتين كمرحلة انتقالية، وبعد ذلك يعود ليترشح للرئاسة مرة أخرى." ما يلمح إليه الباحث السياسي هنا هو تبادل المناصب بين الزعيمين الروسيين فلاديمير بوتين ودميتري ميديديف.
"شباب الثورة سيواصل الاحتجاج"
من الصعب التكهن الآن إذا ما كان علي عبد الله صالح سيعود إلى سدة الحكم قريباً أم لا، أو إذا ما كانت الانتخابات الرئاسية ستعود بالاستقرار على البلاد وتزيد من الأمن في اليمن. ولكن من المؤكد أن شباب الثورة سيواصلون نشاطهم الاحتجاجي: "سنبقى في الساحات والشوارع حتى تتحقق أهداف الثورة"، كما يقول السامعي. "وإذا لم تلبى مطالبنا فسنتابع الاعتصام حتى يسقط النظام بأكمله، حكومة ومعارضة."
من جانبه ينصح أستاذ علوم الاجتماع السياسية الشباب أن يتخذوا مسلكاً آخراً: "على الشباب أن يشاركوا في الانتخابات وفي العملية السياسية بشكل أكبر. عليهم أن ينظموا أنفسهم في أحزاب سياسية ومؤسسات المجتمع المدني وأن يساهموا في صياغة الدستور الجديد." ولكنه أعرب أيضاً عن قلقه أن تسرق القوى السياسية القديمة من الشباب ما حققته ثورتهم حتى الآن: "هذه القوى ما زالت موجودة في جهاز الدولة وأجهزة الأمن والقبائل، وهي لن تعطي بمحض إرادتها الفرصة للشباب للمشاركة في السلطة."
الجمعة مارس 16, 2012 12:28 pm من طرف الكنج