يسعى عدد من قيادات الأحزاب الإسلامية في الجزائر هذه الأيام إلى خلق تكتل إسلامي موحد، لخوض الانتخابات البرلمانية في مايو المقبل، في محاولة للاستفادة من زخم الربيع العربي والنتائج التي يحققها الإسلاميون في بلدان مجاورة.
تتواصل المساعي التي تقوم بها مجموعة من البرلمانيين والشخصيات الإسلامية الناشطة في إطار مبادرة أطلق عليها "مبادرة لم شمل التيار الإسلامي" بوتيرة متسارعة هذه الأيام من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي بين مختلف الأحزاب الإسلامية الناشطة في الجزائر لخلق تكتل انتخابي. وذلك في أفق الانتخابات التشريعية التي أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رسميا يوم الخميس 09 فيبراير/شباطأنها ستجري يوم 10 مايو/أيار المقبل، ووصفها ب"الاستحقاق المصيري" للجزائريين.
وتهدف المبادرة، حسب النشطاء القائمين عليها، إلى إقامة اطار مرجعي يهدف إلى تجميع عناصر القوة المبعثرة للتيار الإسلامي بكل أطيافه وجميع مواقعه لتشكيل كتلة قوية والدخول بقوائم موحدة في الانتخابات التشريعية المقررة في مايو/أيار المقبل. وتعتبر هذه أبرز محاولة لتوحيد فصائل التيار الإسلامي في الجزائربهدف خوض الانتخابات، منذ عشرين عاما عندما فازت جبهة الانقاذ الإسلامية في الانتخابات التشريعية، قبل أن يلغي العسكر المسلسل الانتخابي، وتدخل الجزائر عشرية دموية راح ضحيتها أكثر من ربع مليون شخص.
هل تتوحد فصائل التيار الإسلامي؟
وأكد عزالدين جرافة المنسق الوطني للمبادرة وأحد المؤسسين لرابطة الدعوة الإسلامية، التي أنشئت في الثمانينيات القرن الماضي، والتي جمعت -حينها- رموز الحركات الإسلامية فى الجزائر، أن ثلاثة أحزاب أعطت موافقتها النهائية على المبادرة (النهضة،الإصلاح وحركة مجتمع السلم)، والاتصالات جارية مع البقية، التي فضلت أن تعرض المشروع على مؤسساتها الحزبية بعد عقد مؤتمراتها التأسيسية، ويتعلق الأمر بكل من جبهة التغيير وجبهة الحرية والعدالة (قيدا التأسيس)، وقال عزالدين جرافة لدويتشه فيله،" أن وفدا من المبادرة التقى قادة حركتي النهضة والإصلاح لتحديد الآليات والإجراءات الكفيلة بتحقيق أهداف المبادرة"، وفيما يتعلق بكل من جبهة التغيير وجبهة العدالة والتنمية فأكد جرافة أن قادة الحزبين أعطوا موافقتهم المبدئية، "وننتظر فقط الانتهاء من مؤتمراتها التأسيسية لعقد لقاء قمة بين جميع الأحزاب الإسلامية في الجزائر"، وتشكيل اللجان التي ستباشر عملية تنفيذ المبادرة.
وكان وفد من المبادرة قد التقى الأسبوع الماضي بقيادة حركة مجتمع السلم ورئيسها أبو جرة سلطاني، الذي قدم لهم "صكا على بياض" لإنجاح المبادرة، و قال سلطاني خلال لقاء بمناضلي حزبه بولاية مسيلة (شرق الجزائر) بأنه "يرحب ويدعم فكرة التكتل الإسلامي"، وناشد أطراف الإسلام السياسي في الجزائر "الدخول بقوة في الانتخابات التشريعية المقبلة كتيار وليس كأحزاب مشتتة"، وأكد على ضرورة الاستفادة من دروس الماضي، عندما رفضت بعض القوى الإسلامية التحالف سنة 1990، بحجة "لا تحالف في الإسلام".
عراقيل وصعوبات أمام المبادرة
وتعرف المبادرة، التي بدأ أصحابها التحضير لها منذ ديسمبر الماضي، شد وجذبا كبيرين في أوساط الإسلاميين بين داعم ورافض ومتحفظ، كما أضفى دخول بعض رجال الدين على خط التحذير من توظيف العلماء في السياسة مزيدا من الحدة في هذا الجدل. كما هو الشأن مع الشيخ الطاهر آيت علجت، الذي دعا العلماء والمشايخ إلى عدم التحزب والدخول في الصراعات السياسية، بعد أن عرض عليه فكرة قيادة مبادرة "لم الشمل الإسلامي".
وجاءت التصريحات الأخيرة لمنسق جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة، الذي أكد فيها أن انضمام جبهته للمبادرة مرتبط بانسحاب حركة مجتمع السلم من الحكومة أو من المبادرة، لتخلط أوراق أصحاب المبادرة، وقال مناصرة "لا نقبل أن يكون بيننا طرف موجود أصلا في تكتل آخر''، و''حركة "حمس" مرحبا بها، لكن بعد خروجها من الحكومة''. ومن جهته ألقى موقف عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية المتردد من المبادرة، مزيدا من الغموض على فرص نجاحها، فقد فهم من قبل بعض المبادرين والمراقبين السياسيين أنه رفض المبادرة بشكل دبلوماسي، و أنه لا يريد أن تكون جبهته الوليدة "حصان طروادة" لوصول بعض الأحزاب التي فقدت شعبيتها لدى الناخبين لقبة البرلمان.
من أجل تحالف ضد التزوير
وتسعى بعض القوى الحزبية الإسلامية إلي توسيع مهام المبادرة وجعلها أداة فاعلة لمحاربة التزوير الانتخابي، حيث أكد فاتح ربيعي الأمين العام لحركة النهضة، بأن تنظيمه يؤيد فكرة التكتل إذا توفرت الشروط وخصوصا منها النية الصادقة التي يجب أن تعبر عنها الأحزاب الحليفة من أجل التعاون على التصدي لتزوير الانتخابات".
واعتبر ربيعي في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية أن الحكومة الحالية "عاجزة عن ضمان انتخابات حرة وعادية" ودعا إلى "حلها وتعويضها بحكومة منبثقة عن الإرادة الشعبية"، وتشكيل كتلة سياسية لمكافحة كل أشكال التزوير، وهو الهدف التي تشترك فيه جميع قوى المعارضة، والتي تطالب بإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة "تكنوقراطية" محايدة لضمان النزاهة التي وعدت بها السلطة، وهددت في هذا الإطار بمقاطعة الانتخابات إن لم يستجيب الرئيس عبد العزيزبوتفليقة لهذا المطلب الذي تعتبره "ضروريا".
الامتحان الصعب..
وفي تقديره لأهمية وتوقيت المبادرة يقول المحلل السياسي عثمان لحياني أن "وقت المبادرة مهم على ثلاث مستويات؛ فهي تأتي أولا، استجابة لرغبة وتطلع القاعدة الانتخابية الإسلامية، وثانيا أنها جاءت في سياق دولي يدفع بالتيار الاسلامي للسلطة، وفي الحالة الجزائرية تمثل الحل الوحيد أمام الأحزاب الإسلامية لتكريس ذلك، وثالثا أنه اختبار جدي للقيادات الأحزاب الإسلامية في قدرتها على ممارسة الرقابة الذاتية على الطموحات الشخصية والفردانية والزعاماتية، وامتحان مدى جدية خطابها الداعي إلى الوحدة ولم الشمل والمصالحة". ويشكك عثمان لحياني في حوار لدويتشه فيله في إمكانية نجاح المبادرة، بالنظر إلى حالة الانشقاق والمسافة المتباعدة التي تفصل بين أقطاب التيار الإسلامي، وكذلك الشروط التي تطرحها بعض الشخصيات الفاعلة في الأحزاب الإسلامية قبل أي توافق بشأن تنفيذ المبادرة.
ويدعم الطرح المشكك في مدى نجاح المبادرة، العمل الفردي الذي تقوم به التشكيلات السياسية استعدادا لهذه الانتخابات، حيث تؤكد الأصداء من الولايات أن الأحزاب الإسلامية تضع اللمسات الأخيرة على قوائمها الانتخابية بعيدا عن أي شكل من أشكال التحالف والتكتل بينها، و أن ما تقوم به القيادات على مستوى القمة وفي وسائل الإعلام ما هو إلا فلكلور سياسي، يريد كل طرف من خلاله ربح رصيد شعبي إضافي من مبادرة ولدت ميتة في الأساس، وحتى لا يتهم بأنه ضد توحيد صف التيار الإسلامي التهمة التي تفقده الكثير من التعاطف.
الجمعة مارس 16, 2012 12:16 pm من طرف الكنج