يرى حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق أن اعتداءات الجيش المصري على المتظاهرات في ميدان التحرير يعكس الدور المهم للمرأة في ثورة يناير، لكنه يمثل في الوقت ذاته رسالة لتحذير كل امرأة تشارك في التظاهر.
دويتشه فيله: كان للمرأة المصرية دور كبير في ثورة 25 يناير. لكن هذا الدور يجابه بعنف متزايد من قبل أطراف مختلفة. لماذا هذا التركيز على دور المرأة المصرية في الثورة؟
حافظ أبو سعدة: الأحداث الأخيرة كشفت عن عنف موجه للمرأة المصرية بشكل خاص، وهذا الاستهداف يتأتى من الدور الذي تقوم به المرأة في الثورة المصرية، فخلال المظاهرات يكون للمرأة دور مهم للغاية سواء في العيادات الطبية أو تقديم الإعاشة أو مساعدة المصابين، إضافة إلى الزخم الذي تمنحه للمظاهرات بحضورها. وحالة الاستهداف هذه لا تقتصر على حالة الدكتورة غادة، وإنما كانت هناك العديد من الحالات المشابهة. وإذا ما ألقينا نظرة إلى أسماء الضحايا نجد العديد من النساء.
لكن قبل هذه الأحداث وممارسات كشف العذرية التي قام بها المجلس العسكري وترويج إشاعات عن ممارسات لا أخلاقية في ميدان التحرير، كل ذلك كان محاولة للتأثير على عنصر مهم في التظاهر والاعتصام ودعم الثورة. أعتقد أن ذلك يشكل استغلالاً سيئاً للغاية للجانب الأخلاقي في المجتمع لتشويه صورة المرأة وتوجيه رسالة مفادها أن أي امرأة سوف تشارك في التظاهر سوف تواجه المصير ذاته من التشويه والانتهاكات الجسيمة، سواء أكانت كشف العذرية أم التحرش الجنسي أو التعرض لاعتداءات بعض "البلطجية". وما حدث مؤخراً من "سحل" لعدد من المتظاهرات في الشوارع يعد دليلاً واضحاً على ذلك.
ولهذا فإن مظاهرة الجمعة في القاهرة ركزت على إعادة الاعتبار والشرف للمرأة المصرية. والواضح أنه كانت هناك استجابة كبيرة من المجتمع المصري، إذ كان حجم التظاهرة كبيراً جداً رغم عدم مشاركة قوتين كبيرتين فيها، وهما حزبا النور (السلفي) والحرية والعدالة (الإخوان المسلمين).
وبماذا تفسرون عدم مشاركة الإسلاميين في هذه المظاهرة؟ ألا يعزز ذلك من المخاوف من تهميش المرأة مستقبلاً من حكومة يقودها الإسلاميون؟
هذا واضح من عدم المشاركة اليوم واتهامها بما حدث للنساء في المظاهرات، أو النظر إليه على أنه تعطيل لوصولهم إلى السلطة، باعتبار أنهم أنجزوا المرحلتين الأولى والثانية، ومتبقي لهم المرحلة الثالثة. لكن انظر إلى عدد النساء التي ممكن أن تكون ممثلة في البرلمان. نحن نتحدث عن تناقض كبير في المشهد السياسي المصري، لأن أكبر نسبة تصويت –وأقول هذا كممثل منظمة شاركت في مراقبة الانتخابات- كانت للنساء. والإحصاءات الرسمية سوف تكشف هذا. ومع ذلك فإن أكبر نسبة وصول إلى البرلمان هي للرجال. نحن نتحدث حتى اللحظة عن ثلاث نساء في البرلمان، ويمكن أن يصل هذا العدد في المرحلة القادمة إلى خمسة أو ستة بعد إعلان نتائج القوائم الانتخابية. إذن هذا التناقض يكشف أن المرأة سوف تواجه بانتقاص شديد من حقوقها وحريتها.
وبماذا يختلف ذلك عن الحالة التونسية، وهي حالة مشابهة؟
ليس لدينا في مصر تيار كالتيار التونسي أو مثل راشد الغنوشي، الذي اعتبر أن حقوق المرأة هي مكتسبات لا يمكن التراجع عنها، وبالتالي نجد 26 أو 27 بالمائة من البرلمان هي للنساء. وبالتالي أعتقد أننا سنكون أقل من ذلك بكثير، أقول من خمس إلى سبع نساء ممثلات.
وكيف ستكون انعكاسات ذلك؟
سوف ينعكس ذلك على باقي حقوق المرأة، وأنا أعتقد أنه حتى الآراء المعلنة في التعامل مع الحادثة التي وقعت للدكتورة غادة من سحل وتعرية، فإن ردود بعض ممثلي التيارات الإسلامية وجدنا فيها انتقاداً شديداً لها، فالبعض انتقد زيها، والبعض الآخر اعتبرها هي المخطئة. وهنا نتكلم عن شكل من أشكال إدانة الضحية. وهذا عودة إلى مشكلة الذي يعذب ويحتج على التعذيب، ومشكلة المرأة المصرية أنها تحتج على الانتهاكات التي ترتكب ضدها. وبالتالي إلباسها ثوب ديني من المخاطر الجسيمة جداً، إذ إن النظام السابق لم يكن قادراً على استخدام الخطاب الديني للانتقاص من الحقوق والحريات. والآن سوف نشهد -إذا حصل تشكيل حكومة من التيارات (الإسلامية) الموجودة عندنا- كما أعتقد انتقاصاً شديداً جداً بشكل عام لحقوق الإنسان، وبشكل خاص لحقوق المرأة.
رغم تمتع المرأة المصرين بقوة تصويتية قوية في الانتخابات بقرابة 20 مليون ناخبة –بحسب بعض التقارير- فإن تمثيلها برلمانياً سيكون ضعيفاً كما أسلفتم. برأيكم ألا يتعلق ذلك أيضاً بضعف دور منظمات المجتمع المدني بتثقيف المرأة سياسياً؟
البرلمان القادم ليس البرلمان النهائي، فالبرلمان الحقيقي سيتكون بعد الانتهاء من وضع الدستور. يجب تغيير النظام الانتخابي بما يضمن تمثيل المرأة بنسبة تصل إلى 25 بالمائة على الأقل. ونحن سنعمل على النظام الانتخابي منذ الآن، لأن النظام الانتخابي المصري يجب إعادة النظر فيه كاملاً. هذا النظام فيه تناقضات كبيرة بين حقوق المستقلين والحزبيين، ونسبة الثلث والثلثين. وحتى الثلث المخصص للمستقلين تم الاستيلاء عليه لصالح الحزبيين، وبالتالي لم توضع شروط حقيقية لضمان تمثيل عادل للمرأة في البرلمان. والأمر ذاته ينطبق على المسيحيين. فأنا أعتقد أننا يمكن أن نعيد النظر في النظام الانتخابي، إذا ما لم يتم تمثيل الفئات السكانية في مصر تمثيل عادل.
المجلس العسكري الحاكم في مصر أعرب عن آسفة الشديد لتعرض متظاهرات للضرب خلال التظاهرات الأخيرة، مؤكداً على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمحاسبة المقصرين. لكن كل ذلك لم يمنع من خروج مظاهرات جديدة احتجاجاً على المجلس. برأيكم هل ستتجه الأمور إلى تصعيد جديد؟
ما لم يتم اتخاذ إجراءات حقيقية للتحقيق في هذه الانتهاكات أعتقد أن الأمر سيصل إلى تصعيد. أعتقد أن المجتمع المصري كله يشعر بالعار مما حدث للبنات المصريات في ميدان التحرير. وهذا لم يحصل حتى في العهد السابق، إلا في حادثة واحدة أمام نقابة الصحفيين. وهذا معناه أن هناك استمراراً للانتهاكات الجسيمة، وبالتالي نحن فوجئنا بأن وزير العدل أعلن عن إجراء تحقيقات، في الحقيقة كلها مع متهمين من المتظاهرين. ولم يرد أن هناك انتهاك ارتكبه أحد المسؤولين أو الضباط أو الجنود في ميدان التحرير: لا الضابط الذي سحل الفتاة، ولا الذين كانوا يلقون زجاجات المولوتوف من فوق مبنى رئاسة الوزراء، ولا الذين كانوا يضربون الشباب والفتيات في الشارع، ولا الذين تعدوا عليهم بالأسلحة والذخيرة.
واضح أن الجدية في إجراء التحقيقات لا تزال على المحك. نحن نحتاج إلى التأكد من أن هناك جدية، ويجب ضمان إشراك منظمات حقوق الإنسان في هذه التحقيقات. ويجب إشراك نقابة المحامين، بحيث أننا نعطي ضمانات حقيقية للرأي العام بأننا نجري تحقيقات جادة. لكن لو لم يحصل ذلك، فالناس لن تتنازل عن حقها، وهناك غضبة شديدة في المجتمع المصري أعتقد أن المجلس (العسكري) لم يقدرها حتى الآن حق تقدير.
الجمعة مارس 16, 2012 12:14 pm من طرف الكنج