تواجه المرأة العربية التي تعيش في ألمانيا الكثير من الأسئلة التي تجعلها تعيش تجربة غربتين: غربة تعيش داخلها باعتبارها فتاة شرقية قررت العيش وحدها في ألمانيا، وغربة أخرى تعايشها يوميا في مجتمع غربي علماني بحت.
لا أستطيع الا أن ابتسم عندما أتذكر موقفا طريفا حدث معي في الشهر الأول من مكوثي في ألمانيا. كنت قد ذهبت برفقة إحدى الفتيات الالمانيات إلى طبيب الأسنان. هناك، سألني الطبيب إذا ما كنت حاملا، فأجبته بشكل تلقائي بأني لست متزوجة. نظر إلي الطبيب باستغراب وقال لي: "لم لا تجيبيني على سؤالي؟"، فكررت نفس الإجابة ولكن بإصرار أكبر. تدخلت هنا الفتاة الألمانية، وقالت له بأني فتاة عربية. فضحك الطبيب حينها، وقال لي بلهجة المنقذ: "هنا تستطيعين أن تحصلي على طفل دون زواج". لم أعرف كيف أقول له أني لا أريد الحصول على طفل دون زواج. وشعرت بأنه سيكون عاجزا عن فهم فحوى رسالتي، ما لم يكن لدي فرصة لأعرض الموضوع في سياق ثقافي كامل. فقررت الابتسام والصمت.
تحدي الحريات الفردية
لا شك أن الانتقال من العيش من مجتمع تحكمه التقاليد بشكل عام إلى مجتمع تحكمه دولة القانون وما تضمنه من حريات شخصية يؤدي إلى نشأة اشكالية للفتاة. فالفتاة التي قررت العيش في ألمانيا لأسباب معينة، تمارس حقا يحاول مجتمعها العربي الذكوري في الأصل أن يسلبها اياه، وهي تحاول بحزم أن تعيش وحقوقها كفرد له حرياته وحقوقه بالرغم من أن هذا يكسبها في وطنها الأصلي بعض الغربة عن التقاليد التي تحاول الحد من حريتها. ولكن يبدو أن غربتها مستمرة، حيث أن الحريات في ألمانيا التي لا تستند إلى اختلاف في الدين أو العرف أو العرق، تشعرها بتهديد لقيمها التي تشكل جزءا من شخصيتها كفتاة عربية.
ولكن يبدو أن تصرفات بعض العرب، اللذين يمارسون هذه الحريات حينا وينكرونها حينا آخر، تؤدي إلى انتشار بعض الصور النمطية، فقد حدثنتي إحدى الفتيات الألمانيات عن صديقها العربي، الذي شاركها حياتها مدة خمس سنوات قبل أن يهجرها لأنها عاشت معه قبل الزواج، ثم يقرر الزواج بفتاة عربية عذراء. وسألتني تلك الفتاة كيف يمكن تفسير التناقض بين ممارسة ذلك الشاب لكافة شعائره الدينية الإسلامية من ناحية، ومرافقتها خمس سنوات رغم أن ذلك لا يتفق مع معتقداته من ناحية آخرى!
مفارقات الموافقة بين المعتقدات الدينية والحياة الاجتماعية
وكثيرا ما يسألني ألمان وألمانيات،هل يتم إجبار الفتاة على ارتداء الحجاب في البلاد العربية؟ في هذه اللحظة أعيش هنا حيرة داخلية، فأنا أعلم علم اليقين أن هناك الكثير من الفتيات يجدن أنفسهن مجبرات على ارتداء لباس معين دون أن يتوافق هذا مع رغبتهن الشخصية، كما أعلم تماما أن هناك فتيات اخترن ذلك بأنفسهن وعن قناعة داخلية. ولكن يبدو أن النموذج السلبي المتمثل في اجبار الفتاة على ارتداء الحجاب يهيمن على إدراك الاوروبيين. وأحيانا تتعرض الفتاة لأسئلة أكثر طرافة، فعلى سبيل المثال سئلت أكثر من مرة: هل تنامين وأنت محجبة؟
وبينما يعتبر الحجاب للمرأة التي ترتديه بناءً على رغبة داخلية مصدر أمان نفسي، يعتبر لدى البعض في المجتمع الألماني رمزا للاضطهاد الذي يمارسه المجتمع الذكوري في البلاد العربية. وفي ألمانيا، ورغم أن المعتقدات الدينية تعد أمرا خاصا بالفرد، إلا أنه غالبا يتم ادراك الحجاب كرمز ديني في مجتمع علماني. هذه المفارقة تظهر صراعا لدى المرأة العربية بين رغبتها الاجتماعية في أن تعيش حياة عادية كأي إمرأة أخرى، وأن يتم قبولها بناء على انسانيتها، وبين رغبتها في الاحتفاظ بمعتقداتها كجزء من هويتها الشخصية. هذه المعضلة تجبر المراة العربية في أحيان كثيرة على بذل جهد اضافي لإثبات أنها قادرة على القيام بواجبها وعيش حياتها بشكل طبيعي على الرغم من ارتدائها الحجاب.
فهم متبادل لخصوصية الآخر
التساؤلات التي تواجهها المرأة العربية في المجتمعات الغربية قد تشكل عبئا عليها، أو قد تجعلها عرضة لحكم مسبق نتيجة سلوكيات بعض الأفراد اللذين ينحدرون من نفس الثقافة. كما أن هذه الأسئلة قد تضع الفتاة في موقف دفاعي في مواقف يومية كثيرة وهو ما يدفعها إلى التفكير في أسباب ذلك. هذه التجربة تؤدي غالبا إلى ردة فعل قد تتخذ ثلاثة أشكال إما ردة فعل سلبية، تتبلور في أن الاخر يحاول سلب هويتي، والبحث عن الاختلافات بدلا عن أوجه الشبه بين الثقافات، أو محاولة مستمرة للتبرير وتوضيح الأمور، أو اتخاذ موقف بعدم الحديث عن هذه الأمور نهائيا. ولا أنكر أنني أفكر كثيرا في ماهية ردة الفعل، التي يجب أن أقوم بها عندما أواجه مثل هذه المواقف.
وتبقى الرغبة في الحياة بشكل طبيعي يرافقها رضا داخلي عن الذات هي الحافز الأقوى لدي ولدى الكثير من الفتيات العربيات، الذي يدفعني للحوار من أجل الوصول إلى فهم متبادل لخصوصية الآخر. وهنا أستذكر مقولة شاعر ألمانيا الكبير جوته:" من يعرف نفسه والآخرين يعترف هنا أيضا أن الشرق والغرب لا يمكن بعد ان يفترقا".
الخميس مارس 22, 2012 1:46 am من طرف الكنج