يحتفي دليل ميشلان فرنسا عام 2012 بإصداره المئوي وليس بميلاده المئوي فقد تجاوز المائة من العمر لأنه أبصر النور عام 1900. هدف في البداية إلى تسهيل تنقل سائقي السيارات القليلين جدا في تلك الفترة ( بالكاد 2900 سائق) على الطرقات الفرنسية. فقد كان يشغل بال هؤلاء المسافرين المغامرين معرفة عنوان أقرب محطة وقود (وكانت أحيانا لدى خبّاز!) وكيفية تصليح أو تغيير عجلة ميشلان. وفرق الـ9 سنوات بين الميلاد والإصدار المئوي ينجم عن عدم صدور دليل ميشلان خلال الحربين العالميتين ولا حتى في عام 1921، فقد ظهرت مكانه في ذلك العام مجموعة من الأدلة المصورة عن ساحات المعارك تدعو لزيارة المناطق التي دمرتها الحرب العالمية الأولى وإحياء ذكرى كل من سقط في ساحات الشرف، وللمساعدة على معرفة وإدراك ماقاموا به في المواقع التي شهدت أعنف المعارك.

دليل ميشلان هو ابن مخيلة الأخوين أدوار وأندريه ميشلان، صاحبا مصنع المطاط المؤسس عام 1889 في مدينة كليرمون- فيرّان والمقتنعان تماما بمستقبل السيارة التي كانت في بداياتها آنذاك. كان الدليل الأحمر الصغير الذي يحمل الإسم العائلي للأخوين "يقدم مجانا للسائقين" ويهدف إلى تسهيل تنقل المسافرين... وبالتالي لتشجيع مبيعات عجلات ميشلان. حملت المقدمة في الإصدار الأول الذي ظهر في شهر أغسطس/آب 1900 والذي صدر منه 35 ألف نسخة ووزعت مجانا في الكاراجات ولدى باعة العجلات: "هذا الكتيب صدر مع القرن وسوف يدوم مثله". ومن ثم بدأ الدليل يصدر كل عام في نسخة جديدة منقحة ويقدم للسائقين كل المعلومات المفيدة للتزود بالحاجيات ولتصليح السيارة ووفر أيضا فرصة معرفة "أماكن النوم والطعام" بدون أي ذكر لمعيار النجوم التي أبصرت النور في أواخر العشرينيات وأصبحت رأس الحربة التي تحظى بالإهتمام الكبير وبالترويج الشهير لدليل ميشلان.

لتأمين الدعاية، حظي الدليل منذ ظهوره بدعامة مهمة تمثلت بشخصية ميشلان الدعوبة: بيبندوم، من المطاط الأبيض التي ابتكرها الرسام "أوغالوب" (الإسم المستعار للرسام الفكاهي ماريوس روسيّون) لمصنع ميشلان الحديث، وعرفت الشهرة والشعبية المتزايدة بحيث حازت عام 2000 على جائزة شعار القرن.

تبنّى الدليل منذ الإصدار الأول "اللغة" البصرية والعالمية في الرموز، وشكلت هذه الرموز الصغيرة هوية دليل ميشلان وعبرت في الوقت نفسه عن تحديث صناعة الفندقية الفرنسية وعن تطور المجتمع على مدى القرن، منذ الوعاء الحديدي والشمعة وحتى الإنترنت. كما ظهرت مع بدايات عام 1930 مع معايير الإنتقاء مسألة جديدة هي: الراحة والهدوء.

ظهر أول دليل خارج الحدود الفرنسية عام 1904 في بلجيكا وشق الطريق أمام مجموعة من المنشورات في البلدان الأجنبية بحيث بلغت 26 دليلا عام 2008 وشملت 23 بلدا بما فيها جمهورية الصين الشعبية، وباللغة الصينية وبالإنكليزية في دليل هونغ-كونغ-ماكاو. بدأت المراحل الكبرى الأولى خارج أوروبا في هذا البعد الدولي لدليل ميشلان في الولايات المتحدة مع ظهور دليل نيويورك عام 2005 وتبعه عام 2006 دليل سان فرنسيسكو وعام 2007 دليل لوس أنجلوس ولاس فيغاس. وفي آسيا، بدأ الدليل رحلته الأولى مع طوكيو عام 2007 باللغتين اليابانية والإنكليزية ومن ثم في الصين عام 2008.

فيما يخص الترجمة، ظهرت النسخة الأولى من دليل ميشلان فرنسا باللغة الإنكليزية في 15 يوليو/تموز 1908 مع شخصية بيبندوم التي قدمت معجما من ست صفحات لمساعدة القراء الإنكليز على التصرف في مختلف المواقف. وتم عام 1911 ترجمة 6 أدلة إلى اللغة الإنكليزية عرفت نجاحا "باهرا" حسب تصريح ميشلان، وكانت لو كدست فوق بعضها لبلغت 60 مرة علو كاتدرائية سان-بول في لندن! كانت هذه الأدلة عن الجزر البريطانية، وفرنسا، وألمانيا، ومنطقة الألب والران (وكلاهما باللغة الجرمانية)، وأسبانيا-البرتغال (في اللغة الأسبانية)، وبلاد الشمس (جنوب إيطاليا وصقلية، كورسيكا والريفييرا الفرنسية، والجزائر، وتونس، ومصر).

وزعت كل هذه النسخ مجانا، لكن تم عرض الدليل للبيع عام 1920، بعد أن مرّ أندريه ميشلان في محل موزع عجلات ولاحظ نسخ الدليل تستعمل لسند طاولات العمل، وقرر آنذاك بيعه لأن "الإنسان لا يحترم بالفعل إلا ما يدفع ثمنه". ومثلت عملية البيع مساعدة مالية هامة للأخوين لأنهما ألغيا عام 1908 الإعلانات للفنادق التي بدأت عام 1901 وحققت نجاحا باهرا لدليل ميشلان، وهذا كي لا يشتبَه ببيبندوم، مرشد المسافرين، بكونه حكَما وطرفا، ولطمأنة قراء الدليل. منذ الإصدار الأول، طُلب تقييم السائقين والقراء وتعبئة نموذج من الأسئلة المحددة. في مقدمة الدليل، كتب الأخوان ميشلان: "لا يمكننا القيام بشيء بدونهم، وبوسعنا القيام بكل شيء معهم". فقد مثلا السلف لهيئة المفتشين المرعبة لعالم الذوق بعد قرابة نصف قرن من الزمن.

ظهرت عام 1926 وللمرة الأولى "نجمة المائدة الطيبة" للمطاعم المذكورة في الدليل وظهرت النجمة الثانية والثالثة عام 1931 للأقاليم الفرنسية وعام 1933 لباريس. يعتمر بيبيندوم اليوم قبعة الطهاة لمساعدة الذواقة على اختيار أماكن الطعام. تعني نجمة واحدة "مائدة لابأس بها في مجموعتها"، ونجمتان "يستحق الزيارة" وثلاث نجوم "ممتازة". ولقد أثرت النجوم بشكل سريع ومهم على الحالة النفسية، إذ يجري الحديث كل عام وبمناسبة صدور دليل ميشلان، عن النجوم التي يحلم بالحصول عليها كبار الطهاة وبزيادتها. في فرنسا، احتفظ عميد كبار الطهاة بنجومه الثلاث مدة 44 عاما!

أحيانا يحفظ التاريخ أحداثا مفاجئة، فلم يظهر الدليل خلال الحرب العالمية الأولى ولا خلال الحرب العالمية الثانية، لكن في ربيع عام 1944 وخلال إنزال الجيش الأميركي في منطقة النورماندي، خشيت قيادة الحلفاء أن يعيق الدمار الذي أحدثته القوات المحتلة في المدن الفرنسية تقدم الجيوش، فقامت بالتعاون مع إدارة ميشلان بإعادة طبع الإصدار الأخير -عام 1939- من الدليل في واشنطن للإستعانة بالخرائط الثمينة للمدن. وقدم الدليل للضباط مع عبارة "للإستخدام الرسمي فقط". بعد تحرير باريس تم طبع أكثر من مليوني خريطة لشمال وشرق فرنسا ولبلجيكا وألمانيا ووزعت على الحلفاء لتسهيل عمليات تقدمهم. كما أدى حدث تاريخي كبير - سقوط جدار برلين في نوفمبر/تشرين الثاني 1989- إلى إعادة تنقيح كاملة لدليل ألمانيا من أجل إدماج الأراضي الشاسعة من الجزء الشرقي فيها.

صدر دليل ميشلان فرنسا 2009 بنسخة فرنسية وإنكليزية كما دليل باريس، وهو يُحصي 26 مطعما تحمل ثلاث نجوم و 73 مطعما تحمل نجمتين و449 مطعما بنجمة واحدة، علاوة على 527 مطعما "بيب غورمان": تعني هذه الإشارة الخاصة أن جودة المطعم تتناسب مع الثمن.

تتضمن مجموعة دليل ميشلان في العالم 73 مطعما "ثلاث نجوم" منها 26 مطعما في فرنسا و47 مطعما موزعا في 11 بلدا بينها 9 في ألمانيا واليابان، و6 في أسبانيا والولايات المتحدة و5 في إيطاليا. لكن تجدر الإشارة إلى النجوم المضاعفة ! فالمطعم الذي يحوز على أعلى عدد نجوم في العالم هو طباخ فرنسي لديه 25 نجمة تتلألأ في عدة بلدان بينها الصين واليابان والولايات المتحدة حيث يبث فنون الطهي مع قدامى تلامذته. وهناك حاليا 72 طباخا ماهرا "ثلاثي النجوم" في العالم.

في إصداره المئوي، قام 100 فنان وتلميذ من معاهد الفنون تم انتقاؤهم بعد مباراة، بإعادة ابتكار غلاف دليل ميشلان فرنسا لجعل نسخه "تحفة فنية".