يتزايد عدد الشباب الذين يفضلون المعاشرة (المساكنة) خارج إطار المؤسسة الزوجية وتقاليدها. فبعد مرحلة التعارف ونمو علاقات عاطفية بين الشابة والشابة تبدأ مرحلة العيش المشترك تحت سقف واحد بعيدا عن قيود المجتمع والتقاليد.
عندما قررت أسمى الانفصال عن أهلها في الثامنة والعشرين من العمر والعيش في منزل مستقل كي تتمتع بمساحة من الخصوصية "أكبر من غرفة نومها" كما تقول، وضمان استقلاليتها عن الأهل، لم يكن يخطر على بالها آنذاك أنها ستسكن في شقة مع حبيب قد تتعرف عليه لاحقا. فآفاق علاقات الحب بالنسبة إليها كانت غير واضحة المعالم بسبب انشغالها بإكمال دراستها الجامعية والعمل في اختصاصها المسرحي. أدركت أسمى بعد سنوات قليلة عندما التقت بنديم أن العلاقة التي تجمعهما تتطلب وجود سكن مشترك يأوي شراكتهما. واعتبر البعض ذلك أمرا "غريبا بعض الشيء" ليس من طرف عائلتهما اللتين تحترما قرارتهما، وإنما بالنسبة للدائرة الأوسع في المجتمع اللبناني والذي يطرح عدة علامات استفهام.
الفضول كان سيد الموقف في بداية عيشهما معا "فكيف يمكن أن تكون ملامح الحياة بين حبيبين من دون أن تربط بينهما وثيقة زواج"؟ وعلى الرغم من أن المعادلة بينهما كانت واضحة، وعنوانها "الشعور بالدعم والأمان المشترك"، إلا أنهما مرا بالكثير من الفترات الجميلة والصعبة في آن. لكن تجربة المعاشرة بحد ذاتها، جعلتهما يدركان أن الخلاف أمر طبيعي في الحياة اليومية "كشريكين يتقاسمان المسكن نفسه" كما يؤكد نديم، وهذا ما يعطي للعلاقة طاقة وعمقا أكبر كما يقول. هذا النوع من الحياة المشترك يعبر أيضا عن رفض الشباب والشابات للمؤسسة الزوجية وضغوطها. وهو رفض للتقاليد والموروثات. إنها الرغبة في عيش علاقة حب بسيطة وغير مشروطة تتيح لهما الانفصال عن بعضهما عند فشل تلك العلاقة دون التزامات أو تعقيدات قانونية أو دينية.
"حب آخر الزمن"
المشكلة الأبرز تمثلت في نظرات الجيران المستهجنة وثرثرتهم الدائمة "كأننا مخلوقين عجيبين من المريخ" تقول أسمى. ويضحك الإثنان لهذه الصورة التي جعلتهما أكثر التحاماً من أي وقت مضى. كما يتذكران وصف إحدى الجارات لحبهما بأنه " حب آخر الزمن" والتي أضافت قائلة "لو كنت ابنتي، لقتلتك اليوم قبل غد". حاولا في أحيان كثيرة سد أذنيهما عن "القيل والقال" حيث تم اليهما توجيه تهمة خرق طقوس المجتمع، كما اضطرا في مرات أخرى إلى تغيير سكناهما هرباً من أحاديث الجيران. و تعتبر أسمى أن "الغضب" الذي يجتاح المجتمع ضد المعاشرة ينطلق من المحرمات الموجودة داخل المجتمع.
"الجنس ليس هدفا قائماً بذاته"
ريم التي نزلت إلى بيروت من إحدى قرى الشمال بعد إنهاء دراستها من أجل العمل، تقاسمت السكن في البداية مع زميلات لها أتين للغرض نفسه. لطالما تحلت الفتاة القروية الأصل بالجرأة لكسر المحظورات، فالتقاليد الإجتماعية "مزيفة وكاذبة" في رأيها، لكن تمردها أصبح مقيدا بسبب حرصها على احترام مشاعر ذويها والخوف من جرح كبريائهم. انتقالها بعيداً عن أهلها منحها جناح التحليق صوب الحرية المنشودة. "بيروت حررتني" تشير الشابة إلى التجارب العديدة التي مرت بها في المدينة فصقلت شخصيتها وجعلتها تتحلى بقوة أكبر لممارسة قناعاتها. فهي حتما لا تريد أن تكون في صورة تلك العروس التقليدية كما تريد والدتها أن تتصور ذلك.
إنها تريد ما هو أبعد من ذلك من خلال وجود نسيج من العلاقات العاطفية المتنوعة بحلوها ومرارتها. فهي انتقلت بعد فترة قصيرة إلى السكن مع شاب ربطتها به علاقة عاطفية لم تدم لأكثر من أسابيع. بعدها تعرفت ريم على شاب آخر، نشأت بينهما علاقة حب جارفة توجت بالمعاشرة. لكنها كانت دائما تحتاج إلى مساحة من الخصوصية، فكانت تهرب بين الفينة والأخرى إلى منزل زميلاتها. هاتان التجربتان باءتا بالفشل، ورغم وعيها بذلك وقع اختيارها فيما بعد على غسان "رجل أحلامها" الذي عايش مثلها تجربة المعاشرة. وفي رأيهما تشكل المعاشرة بديلا للمؤسسة الزوجية وما تفرضه من التزامات وواجبات، فمجرد فكرة الإرتباط بحبيب واحد على مدى الحياة شيء مخيف بالنسبة لهما. ويقول غسان "نشعر بحرية أكبر ومشاعر أكثر واقعية" وإضافة الى ذلك فنحن "نعيش تحت سقف واحد طالما نحن حبيبين بلا وثيقة وإذا تلاشى هذا الحب فلسنا ملزمين بالبقاء معا كما يحصل في المؤسسة الزوجية".
تذهب ريم أسبوعيا لزيارة ذويها، لا تخبرهما بما لا يرضيان سماعه مع أنها تعتقد أن والدتها تشعر بشيء ما و تغض النظر. و تشعر ريم برغبتها في ممارسة قناعتها علينا أمام أهلها. فهي مستعدة لقول "هذه حياتي وأنا حرة"، غير أن لفظ ذلك يصعب أمام ذويها، خوفا من أي رد فعل سلبي قد يحطم مشاعرهم. فأنا "أحترم تقاليدهم ولكن هذا لا يمنعني من اتخاذ قرارات أؤمن بها".
في المقابل، يبدو غسان أكثر ارتياحا في قرارته، فأهله لم يمانعوا في نهجه لحياة المعاشرة، "ببساطة.. لأني رجل" يقول غسان والرجل كما يضيف " يحق له ما لا يحق لغيره في مجتمعاتنا". المعاشرة بالنسبة لريم وغسان تساهم في توليد السعادة المطلقة في مساحة حميمية للشريكين. ويعتبر كلاهما أن تسطيح مفهوم المعاشرة والنظر إليها من زاوية العلاقة الجنسية فقط هو بمثابة تسخيف للعلاقة ككل. فالعلاقة الجنسية مهمة ولكنها ليست هدفا في حد ذاته، "لو كان اهتمامنا ينحصر فقط على الجنس لكان ذلك ممكنا في أي مكان"، تقول ريم.
"الحب هو الفائز الأكبر"
أما هيفاء فهي أيضا نزحت إلى بيروت من الجنوب، هنا تعرفت على ربيع، زميل لها في الدراسة ونشأت بينهما علاقة حب قوية. وعلى الرغم من أن هيفاء تؤيد المعاشرة، إلا أنها لم تتمكن من ممارسة ذلك بسبب تواجد أحد أفراد أسرتها في منزلها دائما. ولذلك فهي تحاول بين الحين والآخر قضاء بعض الأيام في منزل حبيبها. عاشا لعامين على هذا المنوال، قبل أن يقررا السفر معاً لإكمال الدراسة في فرنسا. فحققا في فرنسا ما لم يتمكنا من تحقيقه في بيروت حيث إنهما خاضا تجربة المعاشرة لفترة عامين أيضا، فجعلتهما أكثر إداركا لتجربة المعاشرة قبل الزواج.
"ما نعيشه لا يقل أهمية عما يعيشه الأزواج في مؤسسة زوجية" يقول ربيع، فالزواج برأيه نظام مدني، والعلاقة التي تربطهما هي أيضا التزام "نحب بعضنا، ندعم بعضنا، نمرح ونحزن معاً، نغضب ويسامح بعضنا البعض ونعيش نفس التنازلات والتضحيات التي يعيشها حبيبان تربطهما وثيقة زواج ". فيما تعتبر هيفاء أن لكل حريته الشخصية، "من يؤيد خيار المعاشرة فهذا قراره، ومن لا يؤيده فهو حر أيضا.ً وبينما تحترم هي كل وجهات النظر،فإنها تتمنى أن لا توصم المرأة بالعار إذا اتخذت قرار المعاشرة، وتقول "هذه معايير خاطئة في تحديد قيمة المرأة، لأن المعايير الحقيقية هي في إنجازاتها واستقلاليتها ونجاحها وليس في علاقاتها العاطفية". لكن العاصفة التي حاول الحبيبان تجنب حدوثها، هبت بقوة بعد عودتهما إلى لبنان إذ اتخذا قرارهما بمصارحة الأهل عن قرابهما بحياة المعاشرة إلى حين تأسيس أسرة وإنجاب أولاد. فقوبل ذلك بالواقع الرافض لذلك. رغم ذلك كان الحب في نهاية الأمر هو الفائز الأكبر.
الإثنين مايو 21, 2012 12:16 am من طرف عادل المناعى