في خضم السباق إلى الإليزيه بين مرشحي اليسار واليمين يتطلع المراقبون إلى اسم رئيس الحكومة المقبل الذي سيخلف فرانسوا فيون في "الماتينيون" ويرافق المرشح الفائز في الانتخابات الرئاسية. (الصورة من الموقع الرسمي لرئاسة الحكومة الفرنسية).
في الوقت الذي تبرز فيه أسماء مثل مارتين أوبري زعيمة الحزب الاشتراكي وجان مارك أيرو رئيس الكتلة النيابية الاشتراكية في الجمعية الوطنية كمرشحين محتملين لرئاسة الحكومة في حال فوز فرانسوا هولاند، تبرز أسماء أخرى لتولي رئاسة الحكومة في حال تم تجديد عهد نيكولا ساركوزي مثل وزير الخارجية الحالي آلان جوبيه أو وزير الزراعة وواضع برنامج الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية برونو لومير.
فرانسوا هولاند بين "مارتين أوبري" أو "جان مارك أيرو"
في الجانب الاشتراكي تلوح مجموعة من الأسماء التي تبدو قريبة من تولي منصب رئاسة الحكومة بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، منها لوران فابيوس رئيس الحكومة السابق في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران وبيار موسكوفيتشي النائب في البرلمان والوزير السابق المكلف بالشؤون الأوروبية، أومانويل فالس عمدة إيفري والنائب الاشتراكي في الجمعية الوطنية والناطق الرسمي باسم هولاند في الانتخابات الرئاسية، أو ميشال سابان واضع البرنامج الاقتصادي للحزب الاشتراكي.
غير أن هناك اسمان هما الأقرب لدخول ماتينيون إن فاز فرانسوا هولاند بانتخابات الرئاسة، هما "مارتين أوبري" أو جان مارك أيرو الكتلة النيابية الاشتراكية في الجمعية الوطنية الفرنسية -البرلمان.
هولاند وأوبري: نحو "تعايش" بين "أبناء" جاك دولور؟
على الرغم من الدور الهام الذي لعبته مارتين أوبري في الحملة الانتخابية لهولاند، فلا يبدو أن هناك حبا كبيرا بين مارتين أوبري، الابنة الطبيعية لجاك دولور، وفرانسوا هولاند الذي اعتبر في وقت ما ابنه الروحي. فقد شكلت الانتقادات القوية واللاذعة التي وجهتها أوبري لهولاند خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي، هدايا لليمين الفرنسي استعملها في الهجوم على هولاند خلال جولات المنافسة مع ساركوزي.
ومن بين الانتقادات التي وجهتها أوبري إلى هولاند وتحولت بعد ذلك إلى عبارات جاهزة استعملها ساركوزي ومحيطه فيما بعد، ما قالته أوبري عن "اليسار الرخو" الذي يمثله هولاند، أو حين قالت إنه "حيثما كان هناك التباس يوجد ذئب" في إشارة إلى ما قالت إنه ضبابية في مواقف هولاند.
ولم يعط هولاند أي إشارة عن رئيس الحكومة الذي سيختاره إن فاز في الانتخابات الرئاسية، غير أنه أكد أنه سيكون اشتراكيا من الحزب الذي ينتمي إليه هولاند.
في حديثه عن العلاقة التي ستربطه برئيس الحكومة المقبل الذي سيختاره، أكد فرانسوا هولاند أنه لن يكرر تجربة ساركوزي في الهيمنة على مساحات عمل رئيس الحكومة، بل إنه سيترك هامشا أكبر لرئيس حكومته المقبل، في إطار احترام الاختصاصات.
ومعروف عن زعيمة الحزب الاشتراكي الحالية أنها تشغل مساحات اختصاصها بدون ترك أي مجال لمنافسيها، فهي لن تقبل منصب رئيس حكومة منقوص، أو تابع لرئيس الجمهورية كما كان الحال بين فرانسوا فيون والرئيس ساركوزي.
"جان مارك أيرو" الصديق الوفي لهولاند
تأتي قوة "جان مارك أيرو" من علاقته القوية بفرانسوا هولاند، حيث تولى إلى جانب "جان بيار لوبيل" رئيس الكتلة الاشتراكية في مجلس الشيوخ، مسؤولية إعادة بناء الحزب الاشتراكي بعد نكسة الانتخابات الرئاسية في 2002 وخروج ليونيل جوسبان في الدور الأول أمام "جان ماري لوبان" ثم هزيمة سيغولين روايال في انتخابات 2007 أمام ساركوزي.
وأشارت صحيفة لوموند الفرنسية أن "جان مارك أيرو" عمل منذ أسابيع على صياغة أوراق ودراسات حول البرامج والإجراءات المستعجلة التي على الحكومة المقبلة القيام بها، ليس على المستوى التشريعي فقط بل على مختلف المستويات التي لها علاقة بتنظيم الدولة والمصالح الإدارية، مستعينا في ذلك بعدد من الأسماء التي كانت لها مهام استشارية في عهد الرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا ميتران.
وقد كان "جان مارك أيرو" من داعمي هولاند خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي، في الوقت الذي كانت تنهال عليه مختلف أنواع الانتقادات من الموالين لأوبري.
في حال اختار هولاند "جان مارك أيرو" سيكون أمام رئيس حكومة ينفذ توجيهاته دون صراع محتمل في الأفق.
ساركوزي بين آلان جوبيه وبرونو لومير
أما بالنسبة للرئيس نيكولا ساركوزي المرجح أنه سيتخلى عن رئيس حكومته الحالي فرانسوا فيون الذي قاد معه دفة الماتينيون منذ 2007، على الرغم من التناغم الكبير بينهما طيلة السنوات الخمس الماضية. فالرئيس ساركوزي في حال أعيد انتخابه سيتطلع إلى تقديم صورة التغيير اللازمة ليظهر استيعابه للرسالة التي بعثت بها صناديق الاقتراع في الجولة الأولى من الانتخابات.
وفي حال تخليه عن فيون هناك خياران أمام نيكولا ساركوزي إن أعيد انتخابه لولاية أخرى: إما اختيار شخصية سياسية على رأس الماتينيون تساهم في خلق الثقل السياسي للحكومة المقبلة وتسهل عليها مواصلة سياسة التقشف التي بدأها فيون، وفي هذه الحالة ستكون هذه الشخصية بلا شك وزير الخارجية الحالي آلان جوبيه.
أما الخيار الثاني فهو أن يفضل الرئيس شخصية تكنوقراطية لديها خبرة بالملفات، وترمز إلى اليمين بطيفيه، الموالي لساركوزي أو الوفي لشيراك، وستكون هذه الشخصية برونو لومير وزير الزراعة الوجه الجديد في اليمين.
آلان جوبيه خبرة وكاريزما مطلوبة يمينا
يحفظ نيكولا ساركوزي وفرانسوا فيون وباقي قيادات اليمين الفرنسي المقولة الشهيرة التي أطلقها الرئيس السابق "جاك شيراك" قبل سنوات حين قال إن "آلان جوبيه هو الأفضل بينكم".
"آلان جوبيه" وزير الخارجية الحالي يعتبر من الأرقام الصعبة في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية وداخل الفريق الحكومي الذي يقوده فيون. فقد أشار قبل أشهر، وعشية تقديم ساركوزي ترشحه للانتخابات الرئاسية، إلى إمكانية ترشحه بدلا عن ساركوزي في حال فضل الأخير الاكتفاء بولاية واحدة
وبعد أن ظهرت أولى مؤشرات الهزيمة في الانتخابات المقبلة، مع انعكاسات ذلك السلبية المحتملة على حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، سارع جوبيه إلى إعلان استعداده لجمع اليمين الفرنسي بعد الانتخابات ومنع تشرذمه.
ولعل أكثر ما يخشاه جوبيه هو أن تستيقظ الصراعات القديمة داخل الحزب، بين النخب الجديدة الموالية لساركوزي والقوى التي ناصرت شيراك وحساسيات الوسط الاجتماعي على رأسها وعناصر كانت التحقت بالحزب بعد انسحابها من حزب بايرو.
في حال اختار ساركوزي آلان جوبيه لرئاسة الحكومة المقبلة سيسعى إلى تقوية الرصيد السياسي للحكومة، والتخفيف من حدة مواجهتها مع النقابات والمعارضة، مع ضمان التعايش المطلوب داخل الحزب.
غير أن هذا الخيار يظل، بالنسبة إلى الرئيس ساركوزي، خيارا صعبا مفتوحا على احتمال الصراع مع جوبيه، على اعتبار أن جوبيه يملك من الرصيد ما قد يزاحم ساركوزي في احتكار القرار في الإليزيه والماتينيون كما فعل طيلة سنوات التعايش مع فيون.
برونو لومير.. وجه تكنوقراطي جديد يواصل مشاريع فيون
وزير الزراعة الحالي هو الوجه المقابل لآلان جوبيه، هو على الأقل لن يزعج ساركوزي في دور الريادة التي يحتكره في الحزب والحكومة وعلى رأس الدولة.
ويحظى برونو لومير برضى مختلف أطياف اليمين داخل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، من دومينيك دوفيليبان إلى جان بيار رافاران إلى فرانسوا كوبي رئيس الحزب، حيث تجمع كل قيادات اليمين على أن "لومير" استطاع أن ينجح في مختلف الملفات التي أوكلت إليه وكان آخرها حقيبة الزراعة، هذا فضلا عن قدرته على صياغة تقارير فيما يخص مشاريع الحكومة ونجاحه البارع في صياغة البرنامج الانتخابي الحالي للرئيس ساركوزي.
وهناك عنصر قوة آخر لدى برونو لومير هو علاقته الوطيدة بالأوساط الألمانية وبحزب أنغيلا ميركل. حيث قاد خلال حكومة فرانسوا فيون مسلسل مفاوضات شاقة مع الألمان لوضع ترتيبات معالجة الأزمة الأوروبية.
انتخب لومير نائبا عن الحزب الحاكم سنة 2007 في باريس، وعين مستشارا سياسيا للحزب سنة 2008 ثم سكرتير دولة في الشؤون الأوروبية، ليشغل منذ يونيو 2009 حقيبة الزراعة.
أما معارضوه من داخل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية فيشيرون إلى ولائه السابق لدوفيليبان، لقطع الطريق أمامه إلى الماتينيون.
ولبرونو لومير طموحات أخرى إلى جانب طموحه الجامح إلى المراكز العليا في الدولة هي هواية التأليف والأدب، وله مؤلفات تحمل عناونين: "الوزير" و"رجال الدولة".