في حوار مع DWقسَّمت الناشطة الليبرالية السعودية سعاد الشمري، المجتمع السعودي إلى أغلبية ليبرالية تتعرض للاضطهاد والتشويه، وأقلية نخبوية من أصحاب المصالح والدعاة ورجال الدين، مشبهة بلادها بأوروبا في العصور الوسطى.
أعلن ناشطون سعوديون أن السابع من أيار/مايو الحالي سيكون يوما لليبرالية في السعودية، مؤكدين أن هذه الخطوة ستؤدي إلى احتدام الصراع بينهم وبين التيار الديني "المتحكم في حيثيات المجتمع ومفاصله". وأفاد بيان لهم أن الإعلان عن يوم لليبرالية "يأتي في ظل أوضاع متغيرة (...) فالحياة في السعودية تتسم بالرتابة المملة المبنية على الدين كنوع من أنواع التحكم في حيثيات المجتمع ومفاصله". DWأجرت حوارا مع الأمينة العامة للشبكة الليبرالية السعودية الحرة للتعرف على هذه الفكرة الجديدة في المجتمع السعودي:
DW: لو بدأنا بسؤالك، سيدة سعاد، عن سبب اختياركم للسابع من مايو/ أيار كيوم لليبرالية؟
سعاد الشمري:في شهر مايو من عام 2011 حضرنا مؤتمرا للأحزاب الليبرالية العربية، هو الأكبر من نوعه في المنطقة، كان عنوانه "الانتقال إلى الديمقراطية في العالم العربي – تحديات تاريخية وحلول ليبرالية". وكان المؤتمر برعاية مؤسسة فريدريش ناومان وحضره ممثلون من كل العالم العربي، إضافة إلى ممثلين لأحزاب ليبرالية من القارة الأوربية. ولقد حضرت أنا مع بعض زملائي كممثلين عن الشبكة الليبرالية السعودية الحرة، وقد كنا الوحيدين من منطقة الخليج. وقد كان هناك استغراب لمشاركة سيدة من الخليج ومن السعودية تحديدا. وفي يوم 7 مايو/ أيار جاء دوري لكي ألقي كلمة. وفي التقديم قال مدير الجلسة، وهو بريطاني، سنقدم إليكم اليوم تجربة مختلفة وغريبة؛ سيدة سعودية ليبرالية هنا وليس في لندن؛ أي أنه يقصد أنني ناشطة من داخل السعودية ولست معارضة من الخارج. وألقيت كلمة مؤلمة تحدثت فيها عن تفاصيل المشهد السعودي من الداخل.
لماذا تصفين الكلمة بمؤلمة؟
لأن الفكر التنويري يتعرض لاضطهاد، فهو لا يستطيع أن يكشف عن اسمه بشجاعة وجرأة. وقد دأبت المؤسسة الدينية على محاربة التيار الليبرالي بكل ما أوتيت من قوة. تحدثت عن هذه المعاناة بتفاصيل دقيقة، وكيف أننا كشباب سعودي، أسسنا الشبكة الليبرالية الحرة، وجاهرنا بأسمائنا الحقيقية. وهذه مبادرة أولى من نوعها. فصحيح أن الحركة التنويرية في السعودية بدأت في التسعينات، ولكن لم يكن المفكر الليبرالي يجرؤ على الكشف عن اسمه ووصف نفسه بالليبرالي.
وهذا الشيء سبب لنا صعوبات كثيرة. وذكرت لهم الضريبة الكبيرة التي دفعناها ولا زلنا ندفعها يوميا. وهذا الشيء نراه في دول الجوار (الخليجي ـ المحرر) التي تشبهنا في كل شيء، فدول الخليج تشترك فيما بينها بأنها تملك تشابها كبيرا، فالمناهج الدراسية تكاد تكون واحدة، نفس العادات والتقاليد، نفس الأئمة والدعاة والفكر، ونفس الأكل والأشكال، ثم الفضائيات جعلتنا أشبه بمجتمع واحد. ورغم كل هذا التشابه الكبير إلى أن هناك فجوة كبيرة بين المجتمع السعودي وبين بلد كالإمارات أو قطر أو الكويت من ناحية التعامل بديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والوضع الذي أعطي للمرأة. فالمرأة في الإمارات أصبحت قاضية وفي الكويت ضابط، وتقود السيارة وتشارك في الحياة السياسية.
ما هي أهدافكم كحركة ليبرالية سعودية؟
من أبرز أهدافنا هو تصحيح وتغيير المفاهيم المشوهة عن الليبرالية لدى السعوديين. وهدفنا نشر الفكر الإصلاحي في جميع المجالات، سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو دينية أو سياسية، بهدف قبول الآخر ونشر التعددية والتسامح في المجتمع السعودي، الذي ألاحظ بأنه بدأ في الآونة الأخيرة ينغلق على نفسه، وبدأت تنتشر فيه فكرة التطرف والطائفية، بعد أن كنا قبل سنوات قد بدأنا بالانفتاح على الآخر. ولكن خلال السنتين الماضيتين، شهد المجتمع السعودي نكسة فكرية، لا أعرف ما سببها، فأصبحت لدينا مشكلات كثيرة من التعصب وإقصاء الآخر.
الليبراليون السعوديون قدموا أنفسهم كقربان للمجتمع ودفعوا ضريبة كبيرة على المستوى الشخصي؛ أهمها ضريبة الاسم. فأنا مثلا ابنة قبيلة سعودية كبيرة محافظة، ولكنني جاهرت بالليبرالية وطالبت بالحقوق والإصلاح والعمل تحت اسمي الصريح. أعتقد أننا أخذنا على عاتقنا من أجل توضيح مفهوم الليبرالية، التي لا تتعارض مع دستور الدولة ومع ثوابت الدين. ولكن للأسف دائما ما نتعرض لاتهامات بالخيانة والعمالة، ناهيك عن التكفير والإخراج من الدين.
وكيف تردون على مثل هذه الاتهامات بالعمالة؟
في الحقيقة، أنا أقول أحيانا لأصدقائي، على سبيل المزاح، اشتقت لأمريكا وإسرائيل، لأننا دائما نتهم بالعمالة لهم. والآن التهمة الجديدة هي عملاء لإيران. أنا أطالب الحكومة السعودية باستمرار بوضع قانون ضد التطرف وضد خطاب الكراهية وإلا فإن المجتمع سينقسم على نفسه. وبما أنني خريجة شريعة وكنت داعية سابقة، فإنني أناقش الناس بفكرهم.
وأود أن أؤكد بأننا لسنا معارضة نعمل من الخارج، بل نعمل من داخل الوطن. لأن كل من يعمل من الخارج وينشط في مجال الدعوة للإصلاح والمطالبة بالحقوق، يلقى ردة فعل عنيفة من الداخل. ففي النهاية السعوديون وطنيون جدا ويحبون مليكهم. ونحن أردنا أن نطالب بالحقوق والإصلاح وبنفس الوقت نبقى في الداخل ونعلن حبنا لوطننا ولملكنا. فلا تعارض بين الإصلاح وبين حب الوطن والملك.
طالما أن الأمر هكذا، فما هو الإصلاح الذي تطالبون به بدقة؟
لا حدود للإصلاح. يبدأ بحقوق الناس بجميع تفاصيلها، نطالب بتطبيق القوانين. السعودية بلد قائم على حكم الشريعة الإسلامية، وهذا شيء نحترمه ونقبل به، ولكن أين تطبيق هذا الأمر بشكل يحقق العدالة ويضمن الكرامة ويحمي الحريات ويحمي الآخر؟ أول جهة تعاني في السعودية هي القضاء. فالقضاء يفقد مصداقيته، فبحجة أنه يعتمد على الشريعة يترك القضاء لأمزجة وأهواء بشكل يخل بالعدل أحيانا. الأمر الآخر هو حقوق المرأة السعودية. نطالب بأن تحصل على حقها في المواطنة. فهي لا زالت تخضع لنظام الوصاية والولاية وتعاني في جميع تفاصيل الحياة اليومية الدقيقة.
نطالب بترخيص العمل والنشاط السياسي. نحن الشبكة الليبرالية الحرة، مازلنا نمارس عملنا على شبكة الانترنت. ولا يسمح لنا بالعمل الميداني على أرض الواقع. جمعية أنصار المرأة التي أسسناها عام 2006، وطالبنا بترخيصها، ولكن إلى الآن ترفض وزارة الشؤون الاجتماعية منحنا الترخيص، وتطالبنا بحذف المطالبة بالحقوق من مبادئ الجمعية.
وأنا أحمل المؤسسة الدينية المسؤولية على هذا الوضع. فبسيطرة المؤسسة الدينية على مناهج التعليم وعلى المنابر والفتاوى وعلى الإعلام، واختراق خصوصيات الناس والدخول لكل مكان، عبر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فبالنهاية، وبعد أربعين سنة من هذه السيطرة، صار المجتمع السعودي يعاني من الازدواجية والتناقض. فعندنا كل الأمراض الاجتماعية التي يتهمون بها المجتمعات الليبرالية أو الإمبريالية كما يقولون؛ فلدينا زنا محارم وظاهرة الانتحار والعنف الأسري وهروب الفتيات إلى الشارع وطابور خامس وفساد ورشاوى. وخذ مثلا مواقع التواصل الاجتماعي، فيتألم المرء كيف أن المغردين السعوديين على تويتر مثلا يلجئون للسب والشتم والتهجم على الآخر، مما يثبت أن تربيتنا ومناهجنا فشلت. فليس لدينا قانون يحمي من التحرش وقانون يجرم انتهاك الخصوصية.
إذن المطالب تقتصر على الجانب الاجتماعي ومنها حقوق المرأة. ألا توجد أي مطالب سياسية؟
المشكلة أنه لا توجد في السعودية أحزاب سياسية، وبالتالي ليس لدينا نحن كلبراليين مطامع سياسية. فقد سبقتنا نماذج قومية أو ليبرالية في السعودية، وضحت كثيرا سواء بالسجن أو بالغربة، فقلنا لأنفسنا نبدأ بمطالب بسيطة يقبلها الجميع ونستطيع أن نغير شيئا.
كيف تقيمين، وبموضوعية، ثقل التيار الليبرالي في السعودية؟
لو سموا أنفسهم بمسماهم الحقيقي، فيمكنني القول بأن 70 بالمائة من الشعب السعودي هو ليبرالي ويرغب بالتغيير، وهو شعب بسيط جدا ويقبل الآخر، والثلاثين بالمائة المتبقية بين النخبة وأصحاب المصالح وما يسمون بالدعاة ورجال الدين، يهاجمون هذه المطالب والأشياء، لأن مصالحهم تتعارض مع تحقق هذه المطالب الإصلاحية. لكن المشكلة أن كثير من الكتاب والمفكرين لا يستطيعون تسمية أنفسهم بليبراليين. فهناك كتاب أصبح لهم متابعون بأعداد مهولة ويطالبون بمطالب إصلاحية، والمجتمع يتقبلهم، لأنهم لا يصرحون بتوجههم. ففي السعودية من يقول أنا ليبرالي كأنه يقول أنا كافر أو ملحد. وسبب إلصاق هذه التهمة هو الفهم الخاطئ لليبرالية. فهم يروجون بأن الليبرالية تعني الحرية المطلقة بدون ضوابط. وينفّرون الناس منها باللعب على وتر الغيرة مثلا، بأن يقولون للشباب: الليبرالية تعني أن تقبل أن يصبح عند أختك صديقا وتحضره للمنزل. هم يستغلون هذه الأمور في المجتمع المحافظ للسيطرة على المجتمع وتنفيره من الفكر الإصلاحي.
والناس ملت من التناقض في الخطاب. فبدلا من أن يطالب الداعية والعالم الديني بتحسين أحوال الناس ويناضل لكي ينال المواطن حقوقه، ترى الداعية يقول للناس: اصبر وتحمل وهذه الدنيا دار فناء، بينما يعيش هذا الداعية في القصور ويتنعم بأموال كثيرة.
ألا يوجد من بين هؤلاء الدعاة من يمكن وصفهم بالليبراليين أو بالتنويريين؟
نعم بالطبع، هناك رجال دين ظهروا في الفترة الأخيرة ليبراليين تنويريين، يمارس عليهم ضغوط من قبل زملائهم وليس من قبل الحكومة. وبعض هؤلاء الدعاة في مناصب في الدولة، مثل وزير العدل الجديد ومساعده. وهناك دعاة شاركوا معنا بصفة سرية في الشبكة الليبرالية. ننشر لهم مقالات بشكل سري.
هلا ذكرت لنا أسماء بعينها لهؤلاء الدعاة؟
نعم هناك، من نسميهم السلفيين الجدد، مثل الشيخ عبد المحسن العبيكان مثلا، وهو برأيي من التنويريين القدماء اللذين تعرضوا لمضايقات كثيرة. وكذلك الشيخ أحمد الغامدي، وهو الرئيس السابق لفرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة، والذي تحدث عن جواز الاختلاط، فقط تحدث عن هذا الشيء، وتعرض لهجمة شرسة. ولدينا أيضا الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن باز، وهو نجل العلامة ومفتي الديار السابق عبد العزيز بن باز. وتحدث هذا الشيخ بفكر تنويري تجديدي وقال "لو أن والدي ما زال على قيد الحياة لليوم لتراجع عن فتوى حظر قيادة السيارة للمرأة". وكذلك لدينا الشيخ الدكتور المستشار في وزارة العدل عيسى الغيث، وهو من الكتاب الإصلاحيين في الصحافة السعودية وفي تويتر. ونفسه وزير العدل محمد العيسى يعتبر وزيرا إصلاحيا. وكذلك الرئيس الجديد لهيئة الأمر بالمعروف وهو الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، وصاحب فكر تنويري متحرر وسبق أن صرح بتأييده للاختلاط مثلا، وشدد على أن الدعوة لله تحتاج لحكمة ولا تكون بهذه الطريقة، وقد اتخذ قرارات قوية فعلا.
ويمكنني القول بأن ما نعيشه في السعودية يشبه ما عاشته أوربا في العصور الوسطى، وسيطرة الكنيسة. ولكن التغيير قادم شئنا أم أبينا، فهذه سنة الله في الكون. وطبيعة النفس البشرية حرة ولا تقبل بالتعرض للذل والامتهان والظلم.