يساهم قرار وكالة التصنيف الائتماني "ستاندارد اند بورز" مساء الجمعة خفض تصنيف فرنسا، في توسيع الهوة بين شمال وجنوب منطقة اليورو، واضعف في الوقت نفسه الرئيس نيكولا ساركوزي سياسيا في مواجهة المانيا خلال المشاورات الجارية في بروكسل لتحديد التوجه المستقبلي لاوروبا. وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال وزير في دولة اوروبية طلب عدم الكشف عن هويته، ان المستشارة الالمانية انغيلا ميركل " تقود الان المناقشات الجارية في اوروبا حول المسائل الاقتصادية، وسيكون في امكانها ايضا ان تقودها لفترة اضافية من الان فصاعدا". واعتبرت ميركل السبت ان خفض تصنيف تسع دول في منطقة اليورو يؤكد انه "لا يزال الطريق طويلا قبل استعادة ثقة المستثمرين". واضافت في كلمة القتها في مؤتمر لحزبها المحافظ، الاتحاد المسيحي الديموقراطي، في كييل (شمال) "لكن من الواضح ايضا اننا نسلك بشكل حازم هذه الطريق للوصول الى عملة ثابتة ومالية متينة ونمو مستدام". وحرصت ميركل على التقليل من اهمية قرارات ستاندارد اند بورز، على غرار وزير ماليتها فولفغانغ شويبل امس. وقالت "اشير الى انها ليست سوى (قرارات) اتخذتها واحدة من ثلاث وكالات" تصنيف. واضافت "اخذنا علما بالقرار. لم يفاجئنا كثيرا بعد مناقشات الاسابيع الاخيرة"، معربة عن اسفها، ردا على سؤال لصحافي، لان قرار وكالة فيتش الحفاظ على درجة "ايه ايه ايه" لفرنسا "لبقية السنة على الارجح" لم يكن له هذا القدر من الصدى في وسائل الاعلام. وقد استثنت وكالة ستاندارد اند بورز المانيا وحدها مساء الجمعة. فالاقتصاد الاوروبي الاول لم يشهد المحافظة على تصنيفه الثمين "ايه ايه ايه" وحسب، لكن ستاندارد اند بورز اكدت انها لا تنوي تغيير وجهة نظرها في الاشهر المقبلة. الا ان العواقب المالية لخسارة تصنيف "ايه ايه ايه" لستاندارد اند بورز محدودة على فرنسا لأنه كان من المبكر اتخاذ هذا القرار. اما على الصعيد السياسي في المقابل، فيمكن ان تكون الكلفة اشد قساوة، في الداخل وفي الخارج ايضا، على الساحة الاوروبية، حيث تجرى مشاورات اساسية حول اعادة تشكيل طريقة ضبط منطقة اليورو. وفي الخطوط العريضة، يشاطر الرئيس الفرنسي المستشارة الالمانية الحرص على احكام السيطرة على الحسابات العامة في اطار ازمة الديون. لكن حجم العملية يثير تباينات متكررة. فقد كانت باريس حتى الان قادرة الى حد ما على ان تكون الثقل للبلدان الاكثر تشددا في مجال الموازنة، مثل المانيا وهولندا او فنلندا، التي تناضل في بروكسل لفرض اكبر انضباط ممكن. وتكنت فرنسا من الاعتماد على دعم دول جنوب اوروبا، مثل ايطاليا، للحد من حماسة الشمال. وظهرت هذه الانقسامات العام الماضي خلال المفاوضات الشاقة التي كان الهدف منها تشديد ميثاق الاستقرار الاوروبي حول درجة تلقائية فرض العقوبات المالية على الدول المتساهلة. وظهرت هذه الانقسامات مجددا في بداية هذه السنة خلال المشاورات التي اجريت حول المعاهدة الجديدة لضبط الموازنة كما تطالب المانيا لقاء تضامنها المالي مع البلدان التي تواجه صعوبات، ولم تتم تسويتها بالكامل بعد. وهكذا تشاجرت باريس مع دول اخرى لتفادي تفويض محكمة العدل الاوروبية سلطة فرض عقوبات على تعثر الموازنات الوطنية. ويشكل دور البنك المركزي الاوروبي في ادارة الازمة او المبلغ الذي يتعين على صندوق الانقاذ المالي لمنطقة اليورو تقديمه موضوعي خلاف اخريين بين دول الشمال والجنوب. وبات يخشى ان تؤدي قرارات ستاندرد اند بورز الى تعزيز معسكر "المتشددين"، بعدما اضعفت فرنسا جراء ابعادها مع النمسا من "نادي" الدول المميزة الذي كانت تشكله حتى الان الدول الست في منطقة اليورو التي تتمتع بتصنيف "ايه ايه ايه". وما زال هذا النادي يضم فقط المانيا وهولندا وفنلندا ولوكسمبورغ. وستحصل هذه البلدان على مزيد من الدعم لفرض وجهات نظرها. واعتبر الوزير الاوروبي ان "الهوة تزداد اتساعا بين الشمال والجنوب في منطقة اليورو". وتثير هذه الهوة قلق المفوضية الاوروبية منذ فترة طويلة. واعرب مصدر اوروبي عن اسفه ل"زيادة الفروقات" الناجمة عن التصنيف الذي اجرته وكالة ستاندرد اند بورز، متوقعا عقد قمة بالغة الصعوبة للقادة الاوروبيين في 30 كانون الثاني/يناير في بروكسل. وبعد اعلان وكالة ستاندارد اند بورز، اعتبر رئيس مجموعة النواب المشككين باوروبا في البرلمان الاوروبي مارتن كالانان ان "على قادة منطقة اليورو ان يدركوا في الوقت الراهن انه لا يمكن البدء بشفاء المرض طالما لم نبتر العضو الفاسد". واعتبر المفوض الاوروبي السابق الهولندي فريتس بولكشتاين ايضا ان "تفجر اليورو امر محتوم" بسبب هوة ثقافية كبيرة جدا في نظره بين شمال اوروبا وجنوبها. ودعا الى انشاء اتحاد نقدي جديد يضم فقط بلدان الشمال ويسمى "منطقة اليورو-شمال".