بعد مرور 20 عاماً على سقوط جدار برلين تسعى بعض البلديات في غرب ألمانيا إلى إنهاء "اتفاقية التضامن"، التي تلزمها بدفع مساعدات مالية لمدن الشطر الشرقي، لأن وضعها الاقتصادي صار أسوأ من المدن التي تتلقى منها المساعدة.
تقف كارولين مع ولدها فابيان وعيناهما يملؤهما الحزن أمام المسبح، الذي أوصدت أبوابها في وجههما، فقد أصبح مسبح مدينة فالتروب مخصصاً لأعضاء نوادي السباحة فقط. ولا توجد أمام كارولين وأطفالها أي فرصة أخرى للسباحة في منطقة الرور، التي يقطنها ثلاثون ألف نسمة، فكل حمامات السباحة في المنطقة أغلقت أبوابها في السنوات الأخيرة. يقول فابيان، البالغ من العمر 11 عاماً: "كنت أشارك في دروس السباحة في حمام سباحة لوتر. من المحبط أنه لم يعد لدينا حمام سباحة. أتمنى أن يتغير الوضع".
لكن قلة من سكان فالتروب لا تزال ثمة أمل يلوح في أفق مدينتهم، إذ أن ميزانية بلدية مدينتهم مثقلة بديون قيمتها 164 مليون يورو، أي ما يعادل ضعفي ميزانيتها السنوية. وأعربت الحكومة المحلية في عام 2008 عن قلقها بسبب الوضع المالي السيئ لبلدية فالتروب، لدرجة أنها أرسلت خبير ادخار حتى يضع بالتعاون مع رئيسة البلدية انا هيك-غوته خطة إنعاش. وتوضح رئيسة البلدية قائلة: "كنا نريد ضبط الميزانية، وهذا لا يعني تسوية الديون بل عدم أخذ ديون جديدة. كنا نريد تحقيق ذلك من خلال المبيعات. أغلقنا حمامات السباحة وبعنا المرافق الرياضية. قمنا بدمج الإدارات تحت سقف واحد في العديد من المجالات وأصبحت هناك مركزية، حتى نخفض من عدد العاملين".
الاقتراض من أجل شرق ألمانيا
هناك العديد من المدن في منطقة الرور، التي تتشابه مأساتها مع مأساة مدينة فالتروب. فقد ارتفع معدل البطالة في بعض البلديات إلى 20 في المائة، أي ثلاثة أضعاف متوسط معدل البطالة في ألمانيا وذلك بعد انهيار صناعة الفحم والصلب، التي كانت مصدر الثروة في المنطقة. كما أُغلقت العديد من المدن المسارح ومراكز الشباب وحمامات سباحة وأصبح الناس في حيرة من أمرهم. وبات ما يشغل الكثيرين كيفية دفع الفوائد والديون. مدينتا دورتموند وأوبرهاوزن، الواقعتان في منطقة الرور، ترزحان أيضاً تحت أعباء الديون الثقيلة، إذ تدين كل منهما بملياري يورو، وهو أعلى مستوى للديون في الشطر الغربي من ألمانيا.
وفي ظل هذه التطورات دق كلاوس فيلينغ، رئيس بلدية اوبرهاوسن، والعديد من زملائه ناقوس الخطر، داعياً إلى وضع حد لـ"اتفاقية التضامن"مع الشطر الشرقي من ألمانيا. وحسب اتفاقية التضامن فإن المدن والبلديات في ألمانيا الغربية ملزمة بدفع نحو عشرة مليارات يورو سنوياً لمدن ألمانيا الشرقية سابقاً بهدف تحسين الظروف المعيشية هناك، لتقترب من مستوى المدن في غرب ألمانيا. وتذهب هذه المبالغ بشكل رئيس إلى تطوير الطرق والسكك الحديدية.
وتم عقد هذا الاتفاق عام 1995 وعندما أتضح في عام 2004 أن الأداء الاقتصادي في شرق ألمانيا أبعد ما يكون عن تحقيق نفس المستوى، الذي تتمتع به مدن غرب ألمانيا، توصلت الحكومة الاتحادية إلى اتفاق مع الولايات والسلطات المحلية. وينص الاتفاق على تمديد العقد حتى 2019 بمبلغ قيمته 156 مليار يورو.
لكن يورغ شتوديمان، رئيس بلدية دورتموند، يقول إن العديد من البلديات في غرب ألمانيا في حاجة شديدة لهذه الأموال على وجه السرعة. ويصف شتوديمان اتفاقية التضامن بالـ"النظام الغريب". الغرابة تكمن في أن مدينة دورتموند لا تستطيع دفع الثلاثين مليون يورو، الملزمة بدفعها سنوياً حسب الاتفاق، إلا عن طريق الاقتراض. ويضيف شتوديمان بالقول: "بالنسبة لنا فإن الاتفاق لا ينتهي عام 2019، حيث سيتوجب علينا تسديد القروض على مدى عقود لاحقة". ويشير إلى الحاجة إلى "نقاش سياسي حول تمويل البلديات والمدن أيضاً في منطقة الرور. أٌغلقت الكثير من حمامات السباحة، الطرق متروكة بدون إصلاح. إلى أين سيقودنا هذا الطريق؟"
الحكومة ترفض والمعارضة أيضاً
الأرقام تتحدث عن نفسها، ففي الوقت الذي تتفاقم فيه ديون العديد من بلديات الشطر الغربي من ألمانيا ومدنه كل عام، تفيض خزائن بعض البلديات في ألمانيا الشرقية بالفوائض المالية. وأظهر المكتب الاتحادي للإحصاء زيادة قدرها 393 مليون يورو في ميزانيات البلديات في ألمانيا الشرقية في عام 2010. بل إن مدينة يينا، الواقعة في ولاية تورنغن بألمانيا الشرقية، أعلنت أنها ستسوي كل ديونها بحلول عام 2025. وأوضح عمدة المدينة ألبريشت شروتر بالقول: "إننا لم نعد بحاجة إلى اتفاقية التضامن".
لكن هذا ليس حال جميع البلديات في شرق البلاد، ولهذا السبب فقد أعرب رؤساء وزراء العديد من الولايات في ألمانيا الشرقية عن غضبهم إزاء الحملة، التي تشنها المدن المثقلة بالديون في الغرب. فقد جاء على لسان راينر هاسلهوف، رئيس وزراء ولاية ساكسونيا-إنهالت: "يبلغ متوسط نسبة البطالة عندنا ضعف المعدل في الغرب، ويبلغ حجم الأداء الضريبي 55 في المائة فقط من المستوى الغربي. إن الذين يسبحون في المال لا يعيشون هكذا".
احتمال أن تحقق مبادرة مدن منطقة الرور أي نجاح غير وارد. فقد أعلن وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله (من الحزب المسيحي الديمقراطي) عن رفضه لإنهاء مبكر لاتفاقية التضامن. ومن أجل إنهاء الجدل الدائر أكد شويبله أن "الاتفاق سيستمر حتى عام 2019". كما أنه من غير المحتمل إيجاد الأغلبية البرلمانية لإجراء تغيير في القانون، فحتى رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض زيغمار غابريل أعلن عن رفضه لإنهاء اتفاقية التضامن، موضحاً بالقول: "من الخطأ تحريض الشرق والغرب على بعضهم البعض".
الأربعاء أبريل 04, 2012 7:06 am من طرف شرين