لم اكن احب ان ادمي قلوبكم معي.. ولكن الوقت قد ازف
وقد بداء العد التنازلي .. ومن الامانة ان اقول لكم وداعا قبل
الرحيل... ان قلبي يقطر ألما على فراق أحبتي واهلي وصحبي
لقد شاءت مشيئة الله ان تضع حدا لخوفي اليومي وعذاب نفسي
ولم اكن اتصور ان تكون نهايتي قد تسارعت خطواتها .. وان على ان الملم أشلائي.. وان اعيد اوراقي.. وان يكون لي وقت لافكر فيه بكل اخ و صديق وحبيب احببته.. بان اكتب له ولو كلمة صغيرة...كلمة وداع وذكرى .. ولا بد ان اسرع فالوقت قد لا يسعفني ..ولا ادري متى سيكون الرحيل ومتى سيتوقف قلمي عن الكتابة .. ومتى يلفظ اخر انفاسه...ويسكن للخلود..
كنت جالسا اليوم وهو يحدثني بكل صدق وأمانة .. كنت انظر اليه ولكن عيوني كانت تعانق السماء وتحلق في ما وراء الذمن وتمر بكل مراحل طفولتي وشبابي.. تذكرت حينها كيف كنت أملىء الدنيا ضحكا وفرحا.
كانت الافكار تمر مسرعة كقطار يجتاز المحطات مسرعا ليصل لنهاية المشوار...تذكرت مدينتنا القديمة وحارتنا ذات الطرق الضيقة وتلك الاشجار من الياسمين التي تطل من البيوت العربية القديمة على الازقة في حارتنا فيفوح عطرها في كل مكان... ومر بخاطري تلك المقاهي القديمة المنتشرة هناك
تسمع فيها صباحا اصوات موشحات قديمة وجميلة والناس ان مررت بهم قاموا لك احتراما ليردوا السلام والدعاء لك ...
تذكرت صحبي الذي ابعدتهم عني غربتي ..وقست علي الدنيا بمشاغلها فنسيتهم ونسوني...
اخذني قطار الذكريات بعيدا بعيدا وخفق قلبي حين تذكر حبيبته الاولى.. وكيف كانت الدنيا اجمل ما تكون..ولكن القطار كان يسير مسرعا لانه من الماضي ولن يتوقف .. ولن يرحم تشبث قلبي بمن احبها في الماضي وبقيت جزىء منه .. لم يبقي لي منه سوى الذكرى... ابتسمت ...رغم المي الشديد..انستني ذكراها المي ورحيلي.. ولكن سرعان ما اختفى كل شىء.. وعدت لحاضري .. وما زال محدثي يطيل الحديث .. وكم تمنيت منه ان يصمت وان يتركني لوحدتي... اودع ذكرياتي الغالية
ولكن... كان عليه ان يعيدني للحقيقة.. والحقيقة المرة..
نظر الى وعيناه قد اغرقتها الدموع .. والاسى.. فقد اعتبر رحيلي خسارة له وانهزام لجهده الكبير معي...
قال لي : انت تعلم كم حاولت .. وتعلم ان الامر لله وحده
ولكني وبصفتي طبيبك الذي عاصرت مرضك .. فانه من الامانة ان اقول لك الحقيقة بدل الخداع وان اتركك تعيش باقي ايامك في سراب ووهم....
عليك ان تودع اهلك وصحبك.. فأيامك معدودة ومرضك لم يجد الطب له علاج بعد... قالها واشاح بوجهه عني..
ابتسمت .. وقد كنت احس من داخلي بهذا اليوم المحزن.. ابتسمت وقلت له اليس الموت براحة لمريض مثلي يتعذب ويموت كل يوم الف موتة.. اليس هو راحة لاحبتي الذين يودعونني كل يوم ..وهم يراقبون شحوب وجهي ونقصان وزني
وسكون صوتي وتوجعي... اليس الموت رحمة ايها الطبيب العزيز..
تركني الطبيب لوحدتي..وكأنه سمع رجائي وتوسل قلبي له.
فكتبت اليكم وصيتي... وضممتكم الى صدري المتعب لعلي
الفظ اخر انفاسي وانا بقربكم ... وداعا يا احبتي ..وداعا يا من كنتم لي كل ما املك... ولتغفروا لي رحيلي .. واذكروني عند المغيب
وازرعوا قرب قبري شجرة ياسمين...
الأحد مارس 25, 2012 3:46 am من طرف اسماء