وزارة الخارجية الأميركية
تصريحات
هيلاري رودام كلينتون
وزيرة الخارجية
مركز ليت أكسبو للمؤتمرات
فلنيوس، لثوانيا
6 يناير 2012
شكراً لكم ولرئيس جمهورية لثوانيا وحكومة وشعب بلدكم لاستضافتكم الاجتماع الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) لهذه السنة، ولقيادتكم العالمية الوطيدة في دعم الكرامة الإنسانية والديمقراطية والدفاع عنهما.
لقد قدّرت حقاً تنويهكم الأهمية المتواصلة لحقوق الإنسان – ليس كمجرد ضرورة أخلاقية حتمية وحسب، بل أيضاً كمكوّن أساسي للأمن والاستقرار الدوليين. وهذا أمر هام وآني لا سيما في هذه السنة التي أظهر فيها المواطنون – في أرجاء الشرق الأوسط وفي خارجه – أن الكرامة والحرية والفرص تشكل طموحات وتطلعات لدى جميع الشعوب.
فإن قوتها على تغيير مسار التاريخ تثبت، مرة أخرى، صحة المفهوم الأمني الشامل الكامن في صميم منظمة الأمن والتعاون في أوروبا: فالسلام الدائم والاستقرار يعتمدان على تلبية الطموحات المشروعة لمواطنينا قدر اعتمادهما على الأمن العسكري.
وكما أكدّنا السنة الماضية، في قمة أستانا، ان التزامنا بهذا البُعد الإنساني للأمن هو – ويجب ان يكون – في صلب أي شيء نفعله سوية. وعندما نضع الالتزام قيد الممارسة، سيعيش أناس أكثر في حالة من الكرامة، والرفاه، والأمن، من فانكوفر إلى فلاديفستوك، ومن مينسك إلى طشقند، ومن القاهرة إلى كابل.
واليوم، نشهد عبر أنحاء منطقتنا، طائفة واسعة من الهواجس الجدية بخصوص حقوق الإنسان التي تدخل في صميم التزاماتنا في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. فهناك قيود متزايدة على ممارسة الحقوق الأساسية عبر مجمل منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ففي بيلاروس، على مسافة أقل من 40 كيلومتراً من هنا، يواجه مناصرو حقوق الإنسان اضطهاداً غير منقطع فأناس من أمثال ألِس بيالياتسكي – المحكوم عليه بالسجن أربع سنوات ونصف السنة للتهرب من الضرائب، ولكن جريمته الحقيقية في عين الدولة هي مساعدة ضحايا قمع الدولة، والمرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية من المعارضة الديمقراطية، أندريه سانيّكاو، وميكالاي ستاتكيفتش، لا يزالان في السجن بعد سنة من الإجراءات الحكومية الصارمة، مع سجناء سياسيين آخرين.
وشهدت منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا صحفيين مستقلين يتعرضون للتعدي وحتى القتل دون عقاب. إننا نثني على قيادة لثوانيا لضمان سلامة الصحفيين وتعددية وسائل الإعلام.
وكذلك نشهد تزايد التعصب والخوف المفرط من الغرباء وجرائم الكراهية ضد الأقليات الدينية والاثنية، وضد المجموعات المستضعفة الأخرى، مثل المثليين والثنائيي الجنس والمتحولين جنسياً. فلا يعرف العنف ضد النساء حدوداً جغرافية، كما لا زال الإتجار بالبشر يمثل مشكلة مُلحّة في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ولقد شهدنا انتكاسات تصيب المؤسسات الديمقراطية، وحكم القانون، والعمليات الانتخابية. اننا نشهد ملاحقات قضائية، مثل مقاضاة يوليا تيموشنكو في أوكرانيا، مما يثير تساؤلات جدية حول الدوافع السياسية لذلك. وعندما تتخلف السلطات عن مقاضاة أولئك الذي يهاجمون الناس لممارستهم حقوقهم أو لكشفهم عن الإساءات، فإنهم يخربون العدالة ويُقوّضون ثقة الناس بحكوماتهم.
وكما رأينا في العديد من الأماكن، وحديثاً في انتخابات الدوما في روسيا، فان الانتخابات التي لا تكون حرة أو نزيهة، يكون لها نفس الأثر. لذا تنتابنا هواجس جدية حول أسلوب إجراء تلك الانتخابات. فالأحزاب السياسية المستقلة مثل "بارناس" حُرمت من حق التسجيل. ويدرج التقرير الأولي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا محاولات جرت في يوم الانتخابات لحشو صناديق الاقتراع، والتلاعب بقوائم الناخبين، وممارسات مقلقة أخرى.
اننا قلقون أيضاً إزاء التقارير التي تقول بأن المراقبين المستقلين للانتخابات الروسية قد تعرّضوا للمضايقة بما في ذلك شبكة غولوس المنتشرة في أنحاء البلاد، كما تعرضوا لاعتداءات عبر الفضاء الإلكتروني على مواقعهم، مما يشكل مخالفة وانتهاكا لما يجب أن يكون حقوقاً محمية للناس لمراقبة الانتخابات، والمشاركة فيها ونشر المعلومات حولها.
واننا نثني على المواطنين الروس الذين شاركوا بصورة بناءة في العملية الانتخابية. ويستحق الناخبون الروس إجراء تحقيق كامل في التزوير والتلاعب في الانتخابت. ونحن نقدّر رغبة الحكومة الروسية في السماح لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بمراقبة هذه الانتخابات، ونأمل الآن ونحثهم على اتخاذ الإجراءات المتعلقة بالتوصيات التي ستصلهم قريباً من بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
فالشعب الروسي، شأنه شأن الشعوب في كل مكان له الحق في ان تُسمع أصواته وأن تحتسب أصوات اقتراعه. وهذا يعني انه يستحق انتخابات نزيهة وحرة وشفافة، وقادة مسؤولين تجاهه.
وفي الوقت الذي نعمل فيه لمعالجة حقوق الإنسان والتحديات الأخرى، علينا أيضاً أن نعترف بأن ممارسة الحقوق في حيّز الفضاء الإلكتروني تستحق نفس القدر من الحماية التي تمارس في الحيّز الحقيقي. فالحريات الأساسية في التعبير، والتجمع السلمي، وإنشاء الجمعيات، وحرية الدين تنطبق بنفس القدر الذي يسري على المحادثات عبر تويتر وعلى التجمعات التي تنظمها المنظمات غير الحكومية على الفيسبوك، تماماً مثل التظاهرات في الميادين العامة. وقد أصبح النشطاء اليوم يحملون اتفاقات هلسنكي بيد، والهاتف الذكي في اليد الأخرى.
لهذا السبب نعتقد نحن و27 دولة أخرى متبينة لمشروع إعلان الحقوق الأساسية في العصر الرقمي، ان من المهم ان تؤكد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من جديد على ان أولى التزاماتنا في عملية هلسنكي تنطبق على الانترنت. او، كما قد نعبّر عن ذلك في لغة القرن الحادي والعشرين: الحريات الدائمة والتطبيقات الجديدة.
إننا نهيب بجميع الدول المشاركة أن تنضم إلينا وإلى الدول الراعية المشاركة معنا لتبني هذا الإعلان. فمن خلال الالتزام بالمفهوم الشامل لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، نسعى إلى الخروج بنتيجة ملموسة من الاجتماع الوزاري، ليس فقط في الأبعاد الإنسانية والاقتصادية والأمنية العسكرية، بل وأيضاً في القضايا التي تتقاطع مع كافة الأبعاد الثلاثة، وتطال الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال المراحل الانتقالية إلى الديمقراطية.
الآن، في مصر، سيجلس في البرلمان فاعلون جدد، من ضمنهم ممثلون عن الأحزاب الإسلامية. تتطلب المراحل الانتقالية انتخابات نزيهة تشمل الجميع ولا تستبعد أحداً، لكنها تتطلب أيضاً ان يعتنق المُنتَخَبون الأعراف والقواعد الديمقراطية. لذلك، فإننا نتوقع من جميع الفاعلين الديمقراطيين والمسؤولين الرسميين المُنتَخَبين أن يتمسكوا بحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك حقوق المرأة، والسماح بالممارسة الحرة للدين، وتشجيع التسامح والعلاقات الطيبة بين المجتمعات من الأديان المختلفة، ودعم إقامة علاقات سلمية مع جيرانهم. فالديمقراطيات توجهها قوانين اللعبة، بما في ذلك انتقال السلطة من حزب لآخر. ويستحق الشعب المصري ديمقراطية تكون دائمة.
اننا نَحثّ السلطات المصرية على ضمان استمرار الاقتراع الحر والنزيه خلال الجولات الانتخابية القادمة، وعلى الوفاء بالتزاماتها للانتقال إلى حكم مدني جديد. وعلى الحكومة المصرية، خلال الأشهر القليلة القادمة، حماية المحتجين المسالمين وإخضاع المسؤولين عن حوادث العنف السابقة الى المحاسبة.
يملك العديد من الدول المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي انتقلت من الأنظمة الاستبدادية إلى الديمقراطية، خبرات ذات صلة فريدة بالعمل الماثل أمامنا في دول البحر المتوسط الشريكة لنا. ونأمل ان يفتح الاجتماع الوزاري قنوات جديدة من المشاركة بين منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وهؤلاء الشركاء – وفي الاتجاهين.
رحّبنا البارحة في بون بالالتزامات التي قطعها شركاء أفغانستان الإقليميون على أنفسهم في مؤتمر اسطنبول. وأنا أشجع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على إيجاد مزيد من السبل التي تدعم عملية اسطنبول ونتيجة مؤتمر بون في هذا الوقت الذي تسعى فيه أفغانستان الى تحقيق السلام والمصالحة وخلال المراحل الانتقالية نحو توليها المسؤولية عن أمنها بنفسها، واستعدادها لانتخابات عامي2013 و2014.
وفي نفس الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى التعاون مع الحكومات في منطقة آسيا الوسطى حول أفغانستان، والتجارة، والطاقة، والمسائل الأخرى، سوف نواصل تشجيع شركائنا في آسيا الوسطى، سواء في الحكومات والمجتمع المدني، على مواصلة الإصلاحات الديمقراطية وإيلاء احترام أكبر بحقوق الإنسان الأساسية.
وبالنسبة للبعد الأمني، فإننا ندعم جهود فرنسا في تعزيز تدابير الشفافية المتعلقة بالنشاطات العسكرية في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ونعتقد ان هذا يجب أن يكون الموضوع الأول في منتدى السنة القادمة للتعاون الأمني.
أما بالنسبة لروسيا ولمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا (CFE)، فإننا جاهزون لإيجاد طريقة لمراقبة الأسلحة التقليدية تكون متناغمة مع المبادئ الجوهرية الهامة بالنسبة لجميع أعضاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وفي حين ان أعضاء المنظمة ليسوا كلهم أطرافا موقعة على معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، فان مصير المعاهدة سوف يؤثر عليهم جميعاً.
ونحن نبقى ملتزمين ببذل الجهود لتعزيز قدرات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في دورة النزاعات بحيث نستطيع الرد بسرعة وبصورة حاسمة على الأزمات الناشئة.
أما بالنسبة للنزاع الذي طال أمده في جورجيا، فنثني على العمل الجيد الجاري في جنيف، وعبر آلية منع الحوادث والرد عليها، لتحقيق حل سلمي. ونبقى على التزام إزاء سيادة وسلامة أراضي جورجيا، ونشجع التقدم الحاصل في جنيف لحل النزاع عبر الحوار المباشر بين جورجيا وروسيا، والشفافية الأكبر بالنسبة لتحويل روسيا المناطق الانفصالية إلى كيانات عسكرية، وإيجاد حضور للرصد الدولي.
وبالنسبة للنزاع في مولدوفا، نرحب بمعاودة محادثات 5+2 (الخمسة زائد اثنين)، ونعتقد ان مجموعة 5+2 يجب ان تجتمع باكراً السنة القادمة لأجل إحراز تقدم باتجاه الحل الشامل.
اننا وزملاءنا في الرئاسة المشتركة لمجموعة مينسك ووزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان، قد أعدنا التأكيد على التزامنا المشترك في حل نزاع ناغورنو – كاراباخ. فكما قال الرؤساء أوباما ومدفيديف وساركوزي في دوفيل، وحدها التسوية من خلال المفاوضات قادرة أن تؤدي إلى السلام والاستقرار والمصالحة.
ولذا، السيد الرئيس، يجب أن لا تغيب عن بالنا الحقيقة التي هي في صميم مفهوم الأمن الشامل: وهي أن احترام حقوق الإنسان وتوفير الأمن الإنساني أساسيان لتقدم وأمن كافة البلدان، هنا في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وحول العالم. ولهذا السبب، سأجتمع بعد مغادرتي قاعة الاجتماع اليوم مع ممثلي المجتمع المدني من بيلاروس ومع قادة المجتمع المدني من بلدان المنطقة التي شاركت في "المؤتمر الموازي". فقد طالبوا بلفت الانتباه إلى التحديات التي تواجه حقوق الإنسان، وهم يناقشون الطرق التي يستطيعون من خلالها معالجة هذه القضية. وأنا أتطلع قُدماً إلى للاطلاع على توصياتهم، وأرحب بالإعلان أن 35 قائداً لمجموعات المجتمع المدني من أكثر من 20 بلداً في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بصدد إنشاء منبر للتضامن المدني يجمع بين المناصرة الشخصية عن حقوق الإنسان والحضور المتقدم على الانترنت.
السيد الرئيس، مع أن الحكومات تتحمل وحدها مسؤولية تلبية التزاماتها، فإن الحكومات لا تستطيع معالجة التحديات المعقدة التي نواجهها في القرن الحادي والعشرين بمفردها. فذلك يتطلب وجود مواطنين مشاركين يمارسون بحرية الحقوق التي منحهم الله والذين أصبحوا متمكنين بفضل التكنولوجيات الحديثة المتاحة لهم. فبإمكانهم، وعليهم، أن يكونوا شركاءنا في العثور على الحلول للقضايا الكبرى في زمننا.
وشكراً جزيلاً لكم (تصفيق)
الجمعة يناير 20, 2012 11:59 am من طرف sara