لا تعد مدينة بايرويت البافارية مدينة المتاحف والكنائس القديمة والقلاع التاريخية والقصور الكلاسيكية التي تنطق بعظمة هذه المدينة فحسب، بل إنها قبلة لعشاق الموسيقى والمهرجانات الموسيقية وعلى رأسها مهرجان فاغنر الشهير.
تقع مدينة بايرويت Bayreuthفي الجزء الشمالي الشرقي من ولاية بافاريا، ويبلع عدد سكانها حوالي 74000 نسمة وتمتد هذه المدينة على مساحة تقدر بنحو 67 كيلومتر مربع. وتضم هذه المدينة العديد من متاحف الفن والآثار التاريخية والمعمارية. ومنها على سبيل المثال متحف الموسيقي ريتشارد فاغنر، ومتحف للكاتب جين باول من أدباء القرن الثامن عشر. كما تشتمل أيضا على المتحف التاريخي الذي يعرض تاريخ المدينة وتطورها، ومتحف الفن في مبنى مجلس البلدية، ومتحف الآلات الكاتبة الذي يحوي أكثر من 300 آلة كاتبة تاريخية. وبالإضافة إلى تلك الموجودات التاريخية تضم المدينة أيضا عدداً من الكنائس القديمة والحديثة والأبنية التاريخية، من أمثال القصر القديم، والقصر الجديد، ودار الأوبرا التاريخي.
ولهذه المدينة حظ كبير من الصروح العلمية والأكاديمية، إذ تعد جامعة بايرويت صرحا علميا كبيرا، يضم أيضا قسما خاصا للاستشراق يعنى بدراسة الإسلام واللغة العربية. كما تعتبر بايرويت أيضا مدينة الموسيقى، حيث ينظم فيها كل صيف مهرجانا موسيقيا كبيرا، ارتبط اسمه بالمدينة على مدى سنوات طويلة.
قصة تاريخ ونهضة ثقافية
يبدأ التأريخ المبكر لمدينة بايرويت بالعام 1194. غير أن التحول الحقيقي الذي اكتسبه تاريخ المدينة قد بدأ بدخول عام 1693، عندما حول الأمير ماركجراف كريستيان مقر ولايته إليها. وجدير بالذكر أن "الماركجرافية" كانت مصطلحاً يطلق على ولاية المناطق الحدودية للممالك التي كانت قائمة آنذاك. وبانتقال ماركجراف كريستيان إلى بايرويت تغيرت مسيرة تاريخها، حيث تحولت من قرية حرفيين إلى مدينة، بها إدارة وموظفون يعملون في البلاط الحكومي الذي أسسه الأمير الوافد. ولا يزال بنيانه قائماً إلى الآن يعرف باسم القصر القديم، تمييزاً له عن "القصر الجديد" الذي بناه ابنه كريستيان إرنست.
واستمرت مسيرة تطور هذه المدينة، حيث شهدت نهضة كبيرة إبان فترة الأميرة فيلهيل مينا (1735-1763)، إذ سرعان ما شيدت الأبنية ومنشآت التعليم والمسرح والفن، وكونت فرقة مسرحية وأخرى للباليه. كما بنت داراً للأوبرا لايزال شاهداً على أجمل دور المسرح في أوروبا التي تركها لنا عصر الباروك. وكان زوجها الماركجراف فريدريش من النخبة المثقفة، فأسس جامعة في بايرويت عام 1742 صارت امتداداً لجامعة مدينة ارلانجن الحالية، هذا إلى جانب أكاديمية الفنون التي أنشأها سنة 1756. وكان الفن في بلاط أمراء بايرويت آنذاك متأثرا بملامح الفن الفرنسي والإيطالي.
مهرجان فاغنر الموسيقي العالمي
ولكن رغم هذا المد الثقافي، إلا أن المدينة عانت من فترات توقفت فيها حركة الفن والإبداع، وخاصة في ضوء وقوع المدينة تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، الذي جعلها تابعة لولاية بافاريا. مثل هذا الأمر تسبب في تهميشها، إلى أن هيأت لها الظروف أحد الموسيقيين المعروفين آنذاك، فأقام بها مهرجاناً للموسيقى، بدأ احتفالاته عام 1876. كان هذا المهرجان الموسيقي قبلة لأهل البلاد المجاورة، بما في ذلك كثير من الساسة والمشهورين، حتى أصبح فيما بعد من المحافل المعروفة عالمياً. ولا يزال هذا المهرجان ينظم سنوياً إلى يومنا هذا، بعد أن أعيد إحياؤه سنة 1951، لتتجه الأنظار نحو بايرويت من جديد.
وكانت فكرة ذلك المهرجان الموسيقي قد بدأت في عهد ريتشارد فاغنر، بعد أن قرأ عن دار الأبرا في بايرويت، فانتقل إلى هناك، حيث وجدها تناسب عرض أعماله الموسيقية. غير أنه بعد فترة من إقامته في المدينة رأى أن تلك الدار لا تتسع لطموحاته الموسيقية، فعزم على إنشاء مسرح خاص به. فعرض فكرته على مجلسها البلدي، فأعطاه التشجيع، ومنحه مكاناً جميلاً على ربوة خضراء، أملا في أن يساعد هذا المهرجان في تنشيط الحركة الأدبية والفنية. وفي دار بايرويت تلتقي سنوياً إلى يومنا هذا جماهير فاغنر وعشاق الموسيقى من مختلف أقطار العالم، لإحياء المهرجان الذي لا يزال يحمل اسمه.