يشهد معرض "فنون الإسلام" بمتحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية إقبالا كبيرا في أيامه الأولى وانبهارا من الزوار الذين وقفوا في طابور طويل لاكتشاف أجمل وأروع أشكال الإبداع الفني المجسد للحضارة الإسلامية.
كان الرئيس فرانسوا هولاند قد دشن الجناح الجديد للمعرض الثلاثاء الماضي، وافتتح للجمهور يوم السبت وجال كثير من الفرنسيين والأجانب بين معروضاته، ليستنتج الكثير منهم وفق تصريحات للجزيرة نت أن تراثا فنيا وإنسانيا بهذا الحجم أكبر من أي حملات مغرضة. ويأتي تنظيم المعرض المذكور في إطار مشروع تجديد قسم "فنون الإسلام" الذي أطلقه الرئيس السابق جاك شيراك قبل عشرة أعوام من باب تدارك النقص الكبير الذي ميز فنون الإسلام في المتحف الفرنسي الأشهر عالميا. وحسب هنري لويرات رئيس ومدير المتحف منذ العام 2001 الذي كتب في الملف الصحفي معترفا بتأخر إعادة الاعتبار للفنون الإسلامية، فإن عشرها فقط كان مقدما للجمهور نتيجة ضيق المساحة، "وكان لا بد من توسيع وتجديد الفضاءات على النحو الذي يسمح بالارتقاء إلى مستوى الفنون الإسلامية تاريخا وكما وكيفا" كما تم مع فنون الحضارات الأخرى.
ويتميز القسم الجديد لفنون الإسلام حسب المشرفة على المعرض السيدة صوفيه ماكاريو بتوزع معروضاته بين باقة متحف اللوفر الخاصة والأخرى التابعة لمتحف الفنون الزخرفية، وهو ما مكن من تحقيق هدف التكامل بين المتحفين بغرض تغطية التاريخ الثقافي والفني للحضارة الإسلامية اعتبارا من القرن السابع حتى القرن التاسع عشر. أما الميزة الأخرى التي ينفرد بها قسم "فنون الإسلام" الجديد وتتمثل في جانبه المعماري الذي لم يتغير بالنظر لهندسة القاعات الموجودة التي توسعت بالشكل الذي يحفظ روح المكان ويعمق روعة المعمار وجماليته. وتقول السيدة مكاريو "للجزيرة نت" إنه تمت مراعاة الروح الإسلامية في جناح فيسكونتي الذي يحتضن المعرض من خلال التوازن المعماري بين كلاسيكية القرن الثامن عشر ورمزية سقف في شكل وشاح متموج ذهبي اللون، يبرز روح الحضارة الإسلامية.
عمق حضاري
ويقدم المعرض آلاف القطع التي تغطي فنون الحضارة الإسلامية التي تلاقحت مع حضارات وثقافات أخرى من إسبانيا إلى الهند، بلغت تكلفته 100 مليون يورو (128 مليون دولار) وساهمت فيها فرنسا بنسبة 35%، وجاءت النسبة الباقية من دول وشخصيات من العالم الإسلامي. أما الجمهور الأجنبي والفرنسي والعربي الذي توافد على المتحف الشهير في الساعات الأولى لافتتاحه فلم يسمح له أعوان الأمن بتجاوز المدة المخصصة للزيارة، رغم إلحاح الكثير على البقاء فترة إضافية بعد أن بهرتهم المعروضات بفخامتها وروحها.
وباستثناء لوح المدخل العلوي الذي كتب عليه تاريخ الحضارة الإسلامية والشاشات المثبتة والفسيفساء والزرابي والأبواب المنقوشة والمزخرفة وفنون الخط، وضعت كل القطع الأخرى في واجهات زجاجية تضمنت مئات التحف المخلدة لمجد وعطاءات دمشق وبغداد والقاهرة وإصفهان وسمرقند وقرطبة والقسطنطينية وخراسان ومدن أخرى تعايشت بروح سمحة مع أعراق غير إسلامية، كما أكدت على ذلك مسؤولة القسم الجديد للفنون الإسلامية صوفيا ماكاريو اليونانية الأصل.
ووقف الجمهور الذي "تورط" بزيارة معرض ينطق بسحر وعطر وألوان وأشكال الإبداع الفني الإسلامي منبهرا أكثر أمام علبة المجوهرات "المغيرة" المنحوتة بالعاج في قرطبة -968م والمعبرة عن الصراع حول السلطة، ومنمنمات الهند المغولية وشمعدان البط المطروق بالنحاس 1150م-1200م والمحراب الأفغاني الرخامي البديع، وفنون الخط المنقوش على الخشب والصلصال والنحاس وكتابة البسملة التي شدت انتباه زائرة فرنسية بإيقاعات حروفها وألوانها ولغاتها العربية والفارسية والأوردية والتركية. كما لفت انتباه الزائرين صحن غسل اليدين المصنوع في شكل طاووس بإسبانيا 1018م، وصور الشاشة الشارحة لتاريخ فن المنمنمات والأواني الفخارية والصيوان المملوكي وفسيفساء المسجد الأموي بدمشق لأصحابها فهمي قباني وكمال خلاص ونظمي خير 705م-725م.
سياق مثالي
وتزداد لهفة الزائر حينما ينزل إلى الطابق السفلي الذي ضم فنون صناعة الزرابي والنقش والرسم على الخشب والنحاس. وكما كان منتظرا خطفت الزرابي الفارسية ألباب الزائرين، خاصة الطالبة الفرنسية ماريا التي كانت الأولى في التحدث "للجزيرة نت" عن أهمية ودور المعرض في بيان صورة الإسلام الحضارية. وأكدت الطالبة الفرنسية أن المعرض ينظم في سياق مثالي بحكم الإساءة التي طالت الإسلام في خلط واضح بين متطرفين قلائل ومسلمين كثر أكدوا عبر تاريخهم الحضاري على حسهم المدني، كما بينت ذلك عدة تحف رأتها بالمعرض تحكي تاريخ تعايش مسيحي ويهودي وإسلامي. وتضيف ماريا التي تتبنى نظرة متوازنة للثقافة الإسلامية أن "تقديم الثقافة الإسلامية في الغرب ما زال يخضع لأفكار مسبقة لا تمت بصلة لمحتوى المعرض الذي كشفت من خلاله روعة فنية وجمالية كنت أجهلها".
من جهته يؤكد أستاذ التاريخ والجغرافيا جان ميشال كرونييه أن المعرض درس في التسامح والتعايش خلافا لما حاول البعض تقديمه في الفيلم المسيء والرسومات الكاريكاتورية ويقول "شخصيا ورغم تخصصي وتدريسي الإسلام لتلاميذ مسيحيين ومسلمين، لم أكن أعرف الحضارة الإسلامية بالشكل البديع والخلاق الذي قدمه المعرض". أما فيليب، الموسيقي الذي لاحظته "الجزيرة نت" مشدودا ومستمتعا بصور وتعاليق عن فنون الإسلام فيؤكد أن المعرض يشكل أجمل رد على المزايدة باسم حرية التعبير، وهي الإجابة التي ردت بها صبرينا الطالبة الفرنسية في سؤال بهذا المعنى للجزيرة نت.
المصدر وحقوق النشر: الجزيرة