مع اقتراب الذكرى الأولى لاندلاع الثورة، ما زالت المرأة الليبية تكافح من أجل نيل حقوقها كاملة في ليبيا الجديدة، من خلال مشاركتها في بناء مؤسسات المجتمع المدني التي تتوخى منها المساهمة في تثبيت أسس الديمقراطية في البلاد.
كانت المحامية سلوى بوغيغيس إحدى المشاركات في الاعتصام الذي نظم أمام مبنى المحكمة المركزية في بنغازي في السابع عشر فبراير/شباط من العام الماضي. هذا اليوم، الذي أُطلق عليه "يوم الغضب" يُخلّد على أنه بداية انطلاق شرارة الثورة الليبية. لكن سلوى بوغيغيس تعتبر أن بداية الثورة ضد نظام القذافي قد بدأت مع تحركات أمهات معتقلي سجن بوسليم قبل أربع أعوام. هؤلاء الأمهات اللائي كن ينظمن اعتصامات أمام مبنى المحكمة المركزية في بنغازي بصفة دورية كل يوم سبت، من أجل المطالبة بتوضيح ملابسات مصير أبنائهن الذين قتلوا في المذبحة الجماعية التي كان سجن بوسليم مسرحا لها.
وتطالب الآن بوغيغيس وغيرها من الناشطات الحقوقيات في ليبيا أن يتم تثمين دور المرأة الليبية خلال الثورة بالتنصيص على رفع حصة مشاركتها السياسية في القانون الانتخابي الذي أعده المجلس الوطني الانتقالي الليبي. وكان مشروع القانون الانتخابي ينص على تخصيص نسبة مشاركة قُدرت في 10 بالمائة للنساء، كحد أدنى بحسب التوافق الذي توصل إليه أعضاء المجلس. لكن المجلس الانتقالي عاد وألغى حصة العشرة في المائة التي كانت مخصصة للنساء بعد إقراره السبت (28 يناير/كانون الثاني 2012) قانون الانتخاب الذي سيجري بموجبه انتخاب المجلس التأسيسي في ليبيا في يونيو/ حزيران المقبل. وسيعين المجلس التأسيسي المنتخب لجنة لوضع أول دستور للبلاد، بعد أربعين عاما من الحكم الديكتاتوري لنظام العقيد القذافي. وتخشى المرأة الليبية عدم أخذ حقوقها بعين الاعتبار بالشكل المطلوب في الدستور الجديد، إذا لم تكن ممثلة بقوة في اللجنة التي ستسهر على كتابة بنوده.
الانخراط في بناء منظمات المجتمع المدني
سلوى بوغيغيس هي واحدة من الليبيات اللواتي يحاولن تثبيت الأسس الديمقراطية في بلادهن، لتستفيد منها أيضا المرأة الليبية. وكانت بوغيغيس عضوا في "ائتلاف 17 فبراير"، وهو أحد التشكيلات السياسية المكونة للمجلس الوطني الانتقالي الليبي، قبل أن تقدم استقالتها كاحتجاج على ما وصفته "سياسية التمييز ضد النساء التي ينتهجها المجلس". وقالت بوغيغيس إنها لم تعد قادرة على تحمل تجاهل أعضاء المجلس الانتقالي لها. وأضافت، أنها كانت تشعر بعدم أخذها على محمل الجد، ولذلك قررت "العودة للعمل المباشر مع الناس في الشارع والمساهمة في بناء مؤسسات المجتمع المدني".
وتشارك بوغديديس في "منبر المرأة الليبية من أجل السلام"، وهي حركة تضم عددا من القيادات الليبية النسائية التي تعمل مع النساء والشباب من مختلف أنحاء ليبيا. وسبق للمنبر أن قدم خلال الشهر الجاري مشروع قانون انتخابي مضاد للمشروع الذي أنجزه المجلس الانتقالي، حيث طالب المنبر في مشروع القانون الانتخابي الذي أعده بمنح النساء نسبة مشاركة حددها في خمسين في المائة. وتعتبر حركة "منبر المرأة الليبية من أجل السلام" واحدة من بين الكثير من منظمات المجتمع المدني التي تأسست حديثا من أجل منح المرأة الليبية صوتا للدفاع عن حقوقها. وذلك بتنظيم مظاهرات احتجاجية، وربط الاتصال مع وسائل الإعلام للتعريف بقضايا المرأة في البلاد. إضافة إلى تقديم احتجاجات إلى الحكومة والمجلس الانتقاليين، والعمل مع المنظمات الحقوقية الدولية من أجل رفع الضغط على السياسيين الليبيين لأخذ المطالب النسائية بعين الاعتبار.
تأكيد المكتسبات وعدم العودة إلى الوراء
ورغم عقود من الدكتاتورية، فوضع المرأة في ليبيا ليس بالسيئ. فالمرأة الليبية تعتبر من بين النساء الأكثر تعليما في العالم العربي وفقا للتقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، التي تقر إحصائياته بأن أكثر من نصف خريجي الجامعات الليبية هم من النساء. غير أنه من ناحية أخرى، تسجل هذه الإحصائيات أنه فقط ربع النساء في ليبيا من وجدن طريقهن إلى سوق العمل. وتعتبر ليبيا أيضا من بين الدول التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، مع أنها سجلت بعض التحفظات على البنود التي لا تتوافق مع قوانين الشريعة الإسلامية.
وتزايدت التخوفات بعد الإطاحة بالنظام السابق في ليبيا من أن تتراجع تلك المكتسبات القليلة التي حققتها النساء في الأعوام الأخيرة في ليبيا، خصوصا بعد تزايد نفوذ بعض القوى الإسلامية في ليبيا ما بعد القذافي. وتعتبر القوى الدينية المحافظة في البلاد أحسن الأحزاب السياسية تنظيما في المنطقة، وهو ما يؤرق بال الحقوقيات الليبيات.
القاضية نعيمة جبريل تبدي هي الأخرى مخاوفها من تنامي نفوذ الإسلاميين في ليبيا الجديدة. لكن جبريل التي تبلغ من العمر 63 عاما، والتي عاشت خارج ليبيا لأعوام بسبب معارضتها لنظام القذافي، فخورة بمستوى التعليم التي تتمتع به المرأة الليبية. وهي عازمة على المضي قدما في سبيل المحافظة على هذا المكتسب. وقد أسست جبريل هيئة نسائية أطلقت عليها اسم "هيئة دعم مشاركة المرأة في صنع القرار في ليبيا" من أجل دعم وإيصال مواقفها إلى الرأي العام.
وتكمن مخاوف جبريل في أن تمنع النساء من ممارسة بعض الوظائف مثل اشتغالها كقاضية مثلا، كما أنها تخشى أن ترفع القيود المفروضة على تعدد الزوجات. وينص القانون الليبي الحالي على زواج الرجل بامرأة ثانية إلا في حالة موافقة الزوجة الأولى. وترى القاضية نعيمة جبريل أن القوانين يجب تطويرها، وليس العودة بها إلى الوراء.