أثار كتاب صدر حديثا لقاضية ألمانية حول تجربتها مع العائلات العربية المتورطة في عالم الإجرام في برلين تساؤلات حول أسباب انتشار العنف لدى أبناء المهاجرين. دويتشه فيله أجرت حوارا مع فادي سعد صاحب كتاب في هذا المجال.
دويتشه فيله: هناك صورة نمطية في ألمانيا عن العائلة المهاجرة ذات الأصل العربي على أنها أسرة قد يصل عدد أطفالها إلى عشرة وغالباً ما يقضون أوقاتهم متسكعين في الشوارع. إلى أي مدى تصح هذه الصورة؟
فادي سعد: هذه الصورة صحيحة بالنسبة لكل العائلات الكبيرة بغض النظر عن جنسيتها. هذه العائلات لديها أمكنة أو بؤر اجتماعية تلتقي فيها، وإذا رغبت بالذهاب إلى مكان آخر، سيكون عليها شراء تذكرة للدخول، وهو أمر لا يمكن للعائلة أن تؤمنه، وبالتالي يضطر الأبناء للتسكع في الشارع. كما أن عدد الأبناء قد تراجع مقارنة مع السابق، فبدلاً من 8 إلى 10 أطفال للعائلة أصبح العدد الآن بين 5 و7.
صدر كتاب للقاضية كيرستين هايزغ حول تجربتها في حي نويكولن البرليني الإشكالي، تقول فيه "هناك عائلات في ألمانيا لم تنو أبداً الاندماج، وهي على العكس تعيش منغلقة في مجتمعات موازية للمجتمع الألماني" سؤالي هو: هل يتحمل المهاجرون وحدهم اللوم في عدم القدرة على الاندماج؟
لا، الاندماج يحتاج إلى طرفين، الطرف القادم إلى مجتمع ما والراغب في الاندماج فيه، والطرف الآخر وهو المجتمع الذي سيسمح بحصول هذا الاندماج. ليس بإمكانك تعلم لغة ما، إذا لم يكن لديك شخصاً يحدثك بهذه اللغة، وبالطبع يشعر الإنسان بارتياح أكبر إذا اجتمع وتكلم مع أشخاص من بلده وثقافته، ومن دون أن يتعرض دائماً لأسئلة من قبيل: "من أين أنت؟" أو "هل من المعتاد عندكم ارتداء الحجاب؟" وما إلى ذلك. كما أن العائلات المهاجرة التي تأتي إلى ألمانيا من غير أن تجيد الألمانية ستبحث بالطبع عن الأمان، ويتجلى ذلك في بحثها عن أماكن تواجد عائلات مماثلة لها باللغة والثقافة، من خلال ابتعادها عن الأحياء الشرقية في برلين، مكان تواجد المتطرفين اليمينيين، ومن خلال بحثها عن أماكن السكن الرخيصة، ومنها حي نويكولن. وهناك عائلات تظن بأن المجتمع الألماني لن يتقبلها حتى لو أجادت اللغة، فهى ستبقي أجنبية بالنسبة له بسبب مظهرها الخارجي.
ولكنك هنا تشير إلى مسؤولية المجتمع الألماني فقط في تعطل الاندماج، ألا يتحمل المهاجرون جزءاً من هذه المسؤولية؟
نعم، وذلك يتعلق بالتربية. مثلاً بعض الأهل يقولون لأولادهم: لا تأكلوا لحم الخنزير فهو محرم علينا، ويشرحون لهم السبب، بينما يقتصر آباء آخرون على تهديد أولادهم وتخويفهم من خلال قول: "من يأكل لحم الخنزير يذهب إلى النار" وبالتالي يذهب الطفل إلى المدرسة ويرى أحد زملائه يأكل لحم الخنزير فيظنه شيطاناً وعدواً. ولكن هذا يحدث من دون نية سيئة.
وكيف يمكن تجاوز موقف كهذا؟
يتعين علينا من خلال التربية أن نوضح للأطفال أن هناك أدياناً مختلفة، وأن الإسلام يعني احترام هذه الأديان.
هل الاختلافات الدينية هي السبب الوحيد لظهور العنف لدى هؤلاء التلاميذ؟
لا. إنه سبب من عدة أسباب أخرى. كما أن سبب تعلق هؤلاء الأطفال واليافعين بانتمائهم الديني هو اعتقادهم بأنه الشيء الوحيد الثابت الذي لن ينكره أحد عليهم. فهم يقولون "إذا وصفني الآخرون بأنني ألماني، أوأجنبي، أوعربي، سيان، أنا مسلم، ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك". هناك كما قلت أسباب أخرى لحصول هذه المشاكل. مثلاً عندما كنت في المدرسة، لم يكن بإمكاني بعد العطلة الصيفية أن أتباهى أمام زملائي بإجازة جميلة في إسبانيا، لم يكن لدي غرفة خاصة بي في المنزل، لم يكن لدي يوماً حذاء جديدا، وهذا أمر معتاد في العائلات الكبيرة. هكذا يلعب الحسد دوراً في حصول أول المشاكل.
هل تحاول المدرسة التحدث مع التلاميذ حول هذه المشاكل؟
لا، فالمعلمون تنقصهم هذه الكفاءة، كفاءة التعامل مع ثقافات مختلفة. للأسف، المعلمون لا يتلقون هذه القيم وهذه الخبرات أثناء دراستهم، وأنا ألاحظ هذا الأمر عند إلقاء محاضرات في الجامعة، حيث تطرح علي أسئلة من هذا القبيل، "لماذا تصرف التلاميذ بهذا الشكل أو ذاك؟" أو "ما هو تصور المهاجرين عنا نحن الألمان؟" أو بالعكس. هذه أسئلة لا تتم معالجتها في الجامعة.
هل العنف مسألة عرقية؟
لا. إطلاقاً. إنه الوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الإنسان، وما يعيشه في هذا الوسط. كما أن هؤلاء الأطفال واليافعين في أغلبهم من مواليد ألمانيا، و نشأوا هنا في ألمانيا. إنهم ألمان، والمرء ليس مخيراً في اختيار بلده. وهذا أمر أحاول إيصاله من خلال محاضراتي.
طرحت القاضية كيرستن هايزغ في كتابها الصادر مؤخراً نظرية تقول فيها إن مافيات المخدرات العربية تستقدم أطفالاً من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى ألمانيا، وتشغلهم لأن الأطفال غير مشمولين بقانون العقوبات. هل تعتقد أن هذه النظرية واقعية؟
نعم. لا أدري فيما إذا كانوا يستوردونهم بشكل مباشر كما تزعم القاضية، ولكن هذا أمر معتاد في عمل كل المافيات، سواء كانت تعمل في مجال السجائر، حيث ينشط الفيتناميون، أو المافيات الروسية، أو مافيات البغاء. وهم بالطبع على دراية بالقوانين الألمانية ويستغلون فرصة أن الأطفال تحت سن الرابعة عشرة لا يعاقبون.
وما الحل؟ هل يتعين الامتناع عن تقديم اللجوء لهؤلاء الأطفال لكي لا نستورد معهم الجريمة؟
طبعاً لا. القوانين تلزم مكتب رعاية الأحداث بتبني الأطفال واليافعين الذين يتعرضون للأذى أو الخطر، ولكن هذا لا يحدث. حيث تحتار الشرطة في مصير هؤلاء الأطفال المقبوض عليهم . وهكذا يبدأ الدوران في حلقة مغلقة. وهؤلاء الأطفال هاربون من جحيمين؛ جحيم المخيمات الفلسطينية في لبنان وجحيم العمل لدى المافيا، إنهم ضحايا لهذه المافيات، وسيفرحون عندما يتم القبض عليهم، فالحياة كبائع مخدرات في الشوارع لا تروق لأي إنسان.