على مسافة ثلاثمئة وتسعين كيلومترات في منطقة غرب ألمانيا بدءً من مدينة بينجين وانتهاءً بمدينة ايسّين تتوزع خمس مدن متتالية تشمل ستة مواقع من كنوز التراث العالمي. كنوز طبيعة وأخرى أثرية من معالم معمارية دينية وصناعية
تحتوي هذه المنطقة على عدة معالم تراثية وأثرية قيمة، وهذا ما دفع اللجنة المختصة في منظمة اليونسكو لإدراج بعضها على لائحة كنوز التراث العالمي، والجدير بالذكر أن كاتدرائية مدينة آخن هي أول معلمة ألمانية تم ادراجها على هذه اللائحة المعروفة وذلك عام 1978. وتبعتها عام 1996 كاتدرائية كولونيا الشهيرة أيضاً. والجدير بالذكر أن عدد المواقع الألمانية المصنفة كتراث إنساني عالمي، قد وصل اليوم إلى أربعين موقعاً على التوالي.
نهر الراين والطبيعة الخلابة
نبدأ رحلتنا من مدينة بينجين، البلدة الصغيرة الواقعة في القسم الأعلى من وادي الراين الأوسط في منطقة غرب ألمانيا ذات المناظر الطبيعية الجميلة، في هذه المنطقة يسير نهر الراين ويمنحها طبيعة خلابة. من بينجين باتجاه مدينة كوبلينس يمتد وادي الراين نحو خمسة وستون كم موازياً للنهرالعظيم، ويعتبر هذا الوادي من المعالم المهمة الساحرة في ألمانيا لذلك تم ادراجه عام 2002 على لائحة التراث العالمي.
في هذه المنطقة وعلى الجبال الموازية للنهر تتوزع القلاع الأثرية وتمتد على ضفاف هذا النهر بيارات العنب والقرى الصغيرة التي تشتهر بنبيذها اللذيذ. ولكن صخرة لوريلاي الشهيرة والأسطورة التي حيكت حولها تبقى أشهر الأساطير هنا. ووفقا لهذه الأسطورة: أن العديد من السفن التي تشق نهر الراين تحطمت بالصخور المحاذية للنهر نتيجة انبهار قبطانها بالحورية الجميلة التي كانت تجلس على الصخرة. هذه الأسطورة مازالت محفورة في ذهن الناس هنا ولكن لم يعد اليوم للحورية أثر، لذلك لا خوف من تحطم السفينة إذا أردت القيام برحلة على متن إحدى السفن وأن تستمتع بالمناظر الجميلة التي توازي نهر الراين المتعرج في هذه المنطقة.
في مدينة كوبلنس ينتهي وادي الراين الأوسط، حيث يصب فيه نهر آخر اسمه الموزيل. نقطة المصب هذه تمنح المنطقة منظراً ساحراً يستحق مشاهدته. ورغم أن التلفريك (معبر هوائي) القديم الذي يحلق فوق المنطقة لم يندرج إلى الآن تحت لائحة التراث العالمي، غير أن التحليق داخل المقصورة الزجاجية فوق نهر الراين التي تحط عند قلعة أيرينبرايتشتاين يعتبر بحد ذاته رحلة عبر التراث العالمي.
رؤية أوروبية منذ القرن الثامن عشر
انظم عام 1984 إلى لائحة التراث العالمي قصران من نمط الروكوكو المعماري وهما قصر "أوغوستوس بورغ" و قصر "فالكين لوست" في مدينة برول. ويعتبر نمط الروكروكو بمثابة تطوير بسيط طرأ على الطراز المعماري الباروكي المعروف. والجدير بالذكر أن كاردينال المنطقة كليمينس أوغوست الذي كان ذا نفوذ كبير هناك جلب نمط الروكوكو المعماري من فرنسا إلى ألمانيا. وقد كلف هذا الكاردينال عام 1725 مهندسي عمارة وحرفي البناء والطلاء والزخرفات من فرنسا وايطاليا وألمانيا لبناء قصر "أوغوستوس بورغ". ومن هنا نستطيع أن نعتبر هذا الوليد المعماري كرؤية أوروبية مشتركة بكل معنى الكلمة. والجدير بالذكر أن هذا القصر قد تحول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى قصر الضيافة الرئاسي الألماني.
بناء الكنائس وتتويج الملوك
ننتقل إلى مدينة كولونيا وكاتدرائيتها الشهيرة التي أصبحت بعد انتهاء تشييدها مقياساً لكل بناء كنائس العالم، حيث تشتهر هذه الكاتدرائية بمعالمها المعمارية الرائعة والتي استمر بناؤها قرابة 632 عاماً وهي أطول مدة استغرقت لإنشاء بناء معماري في ألمانيا. وقد اتنهى البناء عام 1880 وكان آنذاك أطول بناء في العالم، حيث يبلغ ارتفاع الكاتدرائية 157 متر. واحتفاءً بهذه العمارة الدينية تم ادراجها عام 1996 على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو.
مثالاً آخراً للعمارة الدينية في شمال أوروبا يوجد في مدينة آخن الواقعة في أقصى غرب ألمانيا على الحدود الهولاندية والبلجيكية معاً. حيث تعد كاتدرائية آخن التي أمر ببنائها شارلمان عام 796 إحدى معالم المدينة المعمارية البارزة، وكانت قد دمرت عام 881 وتم إعادة ترميمها عام 981 وأضيفت إليها الأجنحة القوطية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. والجدير بالذكر أن كاتدرائية آخن هي أول معلم ألماني تم ادراجه على لائحة منظمة اليونيسكو المعهودة للتراث العالمي وذلك عام 1978. ويذكر أيضاً أن ثلاثين ملكاً تم تتويجهم على مر السنين في هذه الكاتدرائية.
الثقافة وريثة الصناعة
محطتنا الأخيرة في هذه المنطقة هي مدينة ايسّين حيث يوجد معلم من أبرز معالم الفترة الصناعية في ألمانيا، ألا وهو منجم الفحم السابق الذي أُدرج عام 2001 ضمن لائحة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي. ويذكر أن فنانين معماريين ألمان مشهورين من حركة الـ "باوهاوس"، مثل فريتز شوب ومارتين كريمّر ساهموا بين عامي 1927 و 1932 في تصميم وتشييد عدة أبنية تابعة له، ويعتبر بذلك من أجمل المناجم في العلم.
والجدير بالذكر أن هذا المنجم قد حقق للمنطقة ولسنوات كثيرة على المستوى الإقتصادي انتعاشا وازدهارا كبيرين. وعدا عن أنه أصبح رمزاً لعصر الصناعة من الزمن الماضي، فقد تحول بعدما توقف العمل فيه إلى مكان لإقامة الفعاليات الثقافية.