بعد ثورات الربيع العربي التي أفرزت في غالبها صعود تيارات إسلامية ومحافظة، تخشى العديد من النساء تراجعا في الحقوق. هذا ما دفع مبادرة نسائية لإنشاء صندوق دعم لحماية حقوق المرأة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
تنتمي نورية إلى فرقة فينسي الموسيقية حيث ترقص وتغني بشغف وحب كبير، فالرقص والغناء يشكلان جزءا أساسيا من حياتها:" بالنسبة لي الرقص هو تعبير عن الحرية، وإذ منعت النساء من الرقص في بلد ما، فهذا البلد لا يتمتع بالحرية. وفي غياب حرية المرأة لا يمكننا التحدث عن ديمقراطية حقيقية.". الرقص بالنسبة لنورية ليس مجرد فن تعبيري فقط بل هو رمز للحرية ومقياس لمدى احترام حقوق المرأة بكل أشكالها.
هذا الرأي تشاطره أيضا الناشطة النسائية إيما غولدمان:" ما فائدة الثورة، إذا لم تكن لدي الحرية أن أرقص." إيما غولدمان تصف من خلال هذا المثال الحالة ،التي يعيشها العديد من النساء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من البلدان العربية. فحتى بعد ثورات الربيع العربي لازال وضع الكثير من النساء مزريا ومتأزما، حيث يعانين من التهميش، والتحرش الجنسي والعنف. ومن أجل وضع حد لانتهاكات حقوق المرأة قامت الناشطة الحقوقية إيما غولدمان بتأسيس "صندوق دعم المرأة في منطقة البحر الأبيض المتوسط" ، وهو عبارة عن مبادرة يسهر عليها العديد من الفنانين، الذين ينظمون أمسيات احتفالية من أجل جمع الأموال والتبرعات للقيام بمشاريع تعزيز حرية المرأة وحقوقها في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
حرية المرأة تحت التهديد
كارولين سكينة براك دو لابيير، إحدى مؤسسات صندوق الدعم، تؤكد هي الأخرى على الدور المهم الذي لعبته النساء خلال الثورات:" النساء كن حاضرات بقوة خلال الثورات العربية وكن دائما في طليعة المتظاهرين وأول المطالبين بمجتمع عادل وديمقراطي." وتضيف الناشطة الحقوقية الجزائرية التي عايشت فترة الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي في الجزائر:" الآن تحاول الحركات الأصولية وبعض التيارات المحافظة جعل المكتسبات الحقوقية للمرأة محط نقاش!".
ولهذا ترى دولابيير أن العزيمة والإرادة وحدها غير كافية من أجل وضع حد لهذه التيارات التي تهدد حقوق المرأة وحريتها:" هذه القوى المحافظة تملك الكثير من الأموال، وهذا ما دفعنا إلى تأسيس هذا الصندوق" الذي يلقى دعما كبيرا من جهات مختلفة ، على رأسها الشركات والمؤسسات، بما في ذلك مؤسسة المرأة FILIA الألمانية والصندوق العالمي للمرأة ومنظمة الأمم المتحدة.
الصندوق قام لحد الآن بدعم حوالي 47 مشروع نسائي في منطقة البحر الأبيض المتوسط بغلاف مالي إجمالي قدره مائة ألف يورو. ففي إسبانيا على سبيل المثال هناك مشروع لدعم النساء ضحايا العنف الأسري وفي فرنسا تتم مساعدة النساء اللواتي يتم إرغامهن على الزواج. أما في تونس فقد تم إنتاج فيديو يشجع النساء على المشاركة في الانتخابات وفي مصر تم إنتاج فيديو آخر يوعي الرجال بخطورة التحرش الجنسي باعتباره عارا على الرجال.
خريطة إلكترونية للحد من التحرش الجنسي
علاوة على ذلك فقد استطاع الناشطون في مصر بفضل صندوق الدعم إنشاء شبكة "Harass Map" أو "خريطة التحرش" بهدف مكافحة التحرش الجنسي. ويقف وراء فكرة هذه الشبكة أربع شابات مصريات عانين أيضا من المضايقة، شأنهن شأن العديد من المصريات ، ضحايا المضايقة والتحرش الجنسي في الأماكن العامة أو داخل حافلات النقل وغيرها من الأماكن. تجربة تؤكدها الصحافية المصرية سامية علوي إحدى الأعضاء الفاعلات في مبادرة صندوق الدعم:" يتم تلمس النساء في خصرهن، والنظر إليهن بشكل سخيف وإهانتهن." ولهذا ترى سامية في شبكة " Harass Map" وسيلة لوضع حد لهذه التجاوزات. شبكة " Harass Map" هي عبارة عن خريطة إلكترونية على الإنترنت تتيح للنساء الإبلاغ عن مكان ونوع المضايقة أو التحرش الجنسي بواسطة إرسال رسالة SMS قصيرة .وسيلة ناجعة على حد تعبير سامية علوي:" هكذا يصبح باستطاعتنا تحديد الأمكنة الأكثر خطورة". ففي بعض أحياء القاهرة تم تسجيل حوالي 100 حالة مضايقة أو تحرش جنسي في اليوم الواحد.
متطوعين في محاولة لتوعية المذنبين
ولكن المشكلة الكبرى هي أن التحرش الجنسي في مصر لازال يعتبر من التابوهات. الشيء الذي يدفع الكثير من النساء إلى عدم التصريح بهذه الاعتداءات أو رفع دعوى قضائية ضد المذنبين.ولهذا تسعى الشبكة عن طريق الخريطة التي يجري تحديثها باستمرار على موقع harassmap.org للإنترنت، حث السلطات أيضا على التحرك من أجل وقف هذه الاعتداءات.
وفي هذا الصدد تقول سامية علوي:" الأرقام الموجودة على الخريطة حفزت النساء للذهاب إلى الشرطة وإعطاء نظرة حقيقية حول نسبة المضايقات وتصحيح أرقام الشرطة، التي عادة ما تكون ضئيلة." ولكن الشرطة في غالب الأحيان لا تبالي بذلك و لا تتخذ أي إجراءات. وهذا ما يدفع الكثير من المتطوعين إلى الذهاب شخصيا إلى مكان الحادث من أجل التحدث مع المذنبين وتوعيتهم بأن مضايقة النساء هو عار وأمر غير مقبول، ويطالبونهم لهذا بتغيير سلوكهم.
بالإضافة إلى ذلك يتم مساعدة الضحايا في حالة اتخاذهم قرار رفع دعوى قضائية، وذلك من خلال توفير الدعم القانوني وإشراف طبيب نفسي بشكل مجاني. وهذا النموذج لقي أيضا تقليدا من طرف إحدى المؤسسات المدنية والحقوقية في تركيا، وأيضا خارج منطقة البحر البيض المتوسط كأفغانستان والهند وإندونيسيا.
مارتينا تسيمرمان/أمين بنضريف
مراجعة:هبة الله إسماعيل