يفضل الآلاف من الطلبة العرب الدراسة في ألمانيا نظرا للسمعة الجيدة لجامعاتها، لكن خريجي الجامعات الألمانية العرب يواجهون خيارات صعبة بين العودة إلى أوطانهم أو الاستقرار في ألمانيا. موقعنا تعرف على وجهة نظر بعضهم
.أسباب قدوم الطلبة العرب إلى ألمانيا متعددة، لكن أهمها يتمثل بلا شك في المستوى العالي للجامعات الألمانية، خصوصا في مجالات العلوم التطبيقية، إضافة إلى إمكانية العمل إلى جانب الدراسة.
لكن نسبة كبيرة من الطلبة العرب تقرر بعد إتمام الدراسة الجامعية بنجاح الاستقرار في ألمانيا، ومن بينهم الدكتور اللبناني كرم سرجون، الذي قال لدويتشه فيله في معرض حديثه عن قراره الاستقرار في ألمانيا: "لو كان الأمر بيدي لبقيت في بلادي".
أسباب البقاء في ألمانيا
بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة هايدلبرغ سنة 2003 قرر كرم سرجون العودة إلى لبنان وكله أمل أن يجد عملا مناسبا لتخصصه، إلا أن أمله سرعان ما تكسر على صخرة واقع مر يتمثل في انتشار المحسوبية حيث يضيف: "بعد حصولي على الدكتوراه رجعت إلى لبنان وحاولت أن أجد عملا ولكن للأسف كما في كل الدول العربية تقريبا الواسطة تلعب دورها". هذه التجربة الغير موفقة في إيجاد عمل دفعته إلى العودة إلى ألمانيا ليجد في انتظاره وظيفة في جامعة بون كمدرس لمادة الترجمة.
وكما هو الحال في أغلب الدول العربية يشهد قطاع توظيف حاملي الشواهد العليا أزمة حقيقية، وهذا ما يفسر التظاهر شبه يومي للمطالبة بمنصب شغل وعيش كريم. فكيف لمن ظفر بوظيفة في بلد كألمانيا توفر له التأمين الاجتماعي والحرية أن يعود إلى بلاده ويقبل الأيادي للحصول على وظيفة؟
وبحكم أن سرجون كرم يدرس طلبة عرب في جامعة بون، سألناه عنهم، هل يريدون العودة إلى بلدانهم بعد إنهاء الدراسة أم سيستقرون في ألمانيا، فأجاب أنه لا يعتقد أن الطالب في عمر العشرينات والثلاثينات سيفكر بالعودة، فألمانيا بالنسبة إليه حلم، لأنه يرى في ألمانيا ما لا يراه في بلاده.
لكن الإقامة في الدول الغربية المختلفة ثقافيا واجتماعيا عن الثقافة الشرقية، تجعل الحنين إلى الوطن حاضرا دائما في ذاكرة جل الشباب الذين التقيناهم، فلسان حالهم يقول: "بلادي وإن جارت علي عزيزة".
أما أحمد البالغ من العمر 33 سنة فهو من المغرب، قدم إلى ألمانيا قبل عشر سنين ودرس الهندسة الكهربائية، ويعمل الآن في إحدى الشركات قرب مدينة كولونيا. وفي جوابه عن سؤالنا له، هل حاول بعد إنهاء الدراسة العودة إلى المغرب، فأجاب بالقول: "يجب إتباع المنطق، فإذا كان البحث عن عمل في البلد الذي أخذنا فيه الشهادة صعب، فما بالك في بلد يأخذ كثيرا من وقت فقط للاعتراف بتلك الشهادة ومعادلتها".
هل اختيار الشعبة الدراسية يساعد على العودة؟
ومن الشباب العربي الذين تحدثوا لدويتشه فيله الطالب المغربي منصف وعمره31. منصف درس العلوم السياسية في جامعة بون ونال شهادة الدبلوم، ويبدوا أنه متفائل بامكانية عودته إلى وطنه إذ يقول: "أنا سوف أعود إلى المغرب بنسبة 70 في المائة ولذلك اخترت دراسة العلوم السياسية".
وكغيره من الشباب المغربي يطمح منصف إلى الظفر بوظيفة لدى إحدى الشركات الألمانية العاملة في المغرب، وبدأ في اتخاذ خطوات منها أنه تقدم بطلب معادلة شهادته الجامعية بالمغرب. جدير بالذكر أنه إلى عهد قريب لم يكن في المغرب إلا جامعتان الأولى بالرباط والثانية بالدار البيضاء، اللتان تفتح أبوابها لمن يرغب التخصص في مادة العلوم السياسية.
كما تفتقر الجامعات المغربية إلى بعض الشعب الدراسية مثل الترجمة، والتي توجد فقط في معهد وحيد في مدينة طنجة يحمل اسم مدرسة الملك فهد العليا للترجمة، وهو ما يجبر الكثير من الطلبة للسفر إلى الخارج لدراسة هذه الشعب.
وغالبا ما تتشابه مشاكل الطلبة العرب في ألمانيا سواء جائوا من المغرب أو المشرق، فالشاب الفلسطيني نادر على سبيل المثال وعمره 22 سنة، من عرب 48 ويحمل الجنسية الإسرائيلية، ويدرس حاليا اللغة الألمانية في إحدى معاهد اللغة بمدينة بون. ورغم أنه لم يتجاوز شهره التاسع منذ أن وطأت قدماه تراب ألمانيا، إلا أنه يبدو واثقا من نفسه ومن صحة اختياره لدراسة الطب بعد إتمامه لتعلم اللغة الألمانية.
ويقبل الطلاب الفلسطينيون على دراسة الطب في ألمانيا بشكل ملحوظ نظرا للمستوى العالي للجامعات الألمانية خاصة في الجانب التطبيقي من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الطبيب قد يجد عملا مناسبا حين عودته إلى موطنه، وهو ما عبر عنه بقوله: "إذا لم أدرس الطب فلن أجد وظيفة أفضل من ذلك". لكن قرار العودة قد يتغير بعد إنهاء دراسة الطب والتي تستغرق 7 سنوات على الاقل.
وعلى ما يبدو فإن الكثير من الطلا ب العرب بألمانيا يعيشون تخبطا فيما يتعلق باختيار الشعب الدراسية، فقد يختار الواحد منهم شعبا ليس لبلادة حاجة ماسة فيها مما يعقد فكرة العودة إلى بلاده. ولإيجاد حل لهذه الظاهرة ينبغي على الدول العربية التي ترغب في الاستفادة من خبرات أبنائها بالخارج، توجيههم قبل بعثتهم والتواصل معهم أثناء دراستهم.