الدراسة في الجامعات الألمانية شبه مجانية. ولكن هناك مصروفات للحياة اليومية لابد من تغطيتها بصورة فردية. لاستطلاع كيفية تغطية الطلبة العرب الدارسين في الجامعات الألمانية لأمورهم المالية، التقت دويتشه فيله بعدد منهم.
حسب تقديرات مؤسسة الخدمات الطلابية الألمانية "شتودينتين فيرك" يبلغ متوسط المصاريف الشهرية حوالي 600 يورو للطالب الواحد. وتتوزع هذه المصاريف بين إيجار المسكن، وقيمة الطعام، وتذاكر المواصلات، وتكلفة الهاتف والانترنت ورسوم التلفزيون، والملابس، وتكاليف التأمين الصحي، ومصاريف المواد الدراسية وغير ذلك.
موارد مادية أقل تعني عدد سنوات أكثر
محمد من قطاع غزة قدم إلى ألمانيا في العام 2004 من أجل دراسة الهندسة الميكانيكية والإلكترونية في جامعة العلوم التطبيقية في مدينة ساربروكن. محمد أنهى المرحلة الأولى من دراسته، ويدرس الماجستير الآن. خلال هذه السنوات الطويلة اضطر إلى العمل بجانب الدراسة. عن ذلك يقول: "لقد عملت لفترة طويلة في أعمال مختلفة وفي شركات عدة، مثل مطبعة الجرائد في المدينة التي أعيش فيها، كما أني قمت بأعمال أخرى منها المساعدة في نقل الأثاث، وفي شركة للتنظيف". ويذكر أنه أتيح له أن يعمل في الجامعة، في المكتبة مثلاً أو في مكتب أحد الأساتذة المدرسين. محمد يروي أنه اضطر للتأخر سنة كاملة بسبب الأعمال الجانبية التي يقوم بها وعدم تفرغه للدراسة.
أما يوسف فيدرس علوم اللغة الألمانية في جامعة مونستر، منذ خمس سنوات، ويشكو من صعوبات مادية واجهته خلال دراسته، فيقول شارحا معاناته: "لقد مررت بمرحلة صعبة للغاية إبان الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث تعذر علي إيجاد أي عمل، رغم أني بحثت هنا وهناك، ولكن دون جدوى". وعن فترة تأخر دراسته لمدة سنتين اضطر أحيانا إلى الغياب عن الدراسة لمدة فصل دراسي كامل من أجل السفر إلى مدينة أخرى، حتى يجد عملا يقتات منه.
ط. ع. (40 عاما) يعد الآن رسالة الماجستير في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة بون، وقد بدأ الدراسة في سن متأخرة واضطر إلى أن يعمل في أعمال غير متعلقة بالدراسة، مثل العمل في المطاعم، من أجل أن يكسب النقود الكافية له ولعائلته.
إمكانية الحصول على منحه أو مساعدة
الطلبة الذين ينهون المرحلة الجامعية الأولى (بكالوريوس) بتفوق بإمكانهم التقدم إلى عدة مؤسسات وقفية أو مراكز أبحاث وجامعات تقدم منحاً للمتفوقين وترعاهم، مما يسهل عليهم مواصلة الدراسة في مرحلة الماجستير والدكتوراه.
ومن هؤلاء الطلبة المتفوقين في بلدانهم أسماء، وهي طالبة فلسطينية أنهت دراسة الماجستير في الأدب الانكليزي بتفوق في جامعة بيرزيت، وحصلت على منحة لدراسة الدكتوراه في ألمانيا، مقدمة من الهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)، وهي تدرس الآن في جامعة دورتموند منذ تسعة أشهر، وتشعر بسعادة بالغة لحصولها على تلك المنحة لأنها "تعطيها الوقت الكافي لكي تتفرغ للدراسة".
بعض المؤسسات تقدم مساعدة بسيطة غير دائمة للطلبة الذين يمرون بظروف صعبة، فتدعمهم في فترة الامتحان لمدة شهر أو شهرين مثلاً، كما هو الحال بالنسبة لمحمد، حيث حصل على مساعدة مالية خلال فترة تأدية الامتحانات لأنه لم يستطع أن يعمل إلى جانب تأدية الامتحانات، كما يقول.
مواطنو بعض الدول العربية يحظون بدعم خاص من دولهم، فتقدم لهم منحا شهرية منتظمة طوال فترة الدراسة. سلطان من المملكة العربية السعودية درس الطب البشري في مدينة جدة وأتى مبتعثاً من بلده إلى مدينة آخن للتخصص في الطب. ويقول سلطان إن جميع الطلبة يحصلون على دعم مالي خلال فترة الدراسة في السعودية، وبعد انتهاء الدراسة يتم ابتعاث العديد منهم بتمويل من الحكومة السعودية من أجل الحصول على مؤهلات عليا.
عمار من اليمن يدرس في جامعة فرانكفورت ويتمتع بوضع مادي متواضع كحال بعض الطلبة اليمنيين الدارسين في الخارج، فيقول: "الطلبة اليمنيون الدارسون في ألمانيا يحصلون على منحة تغطي ما يقارب ثلاثة أرباع مصروفهم الشهري"، بينما يتم تغطية بقية المصاريف إما من العمل أو من خلال مساعدة الأسرة.
وهذا الوضع يبدو مشابهاً إلى حد ما لما يحصل عليه الطلبة الألمان من دعم مالي، حيث يحصل الطالب على قرض حكومي من دون فوائد، يترتب عليه إرجاع نصف قيمته بعد التخرج وبأقساط ميسرة، مما يتيح للطلبة الألمان الفرصة للتفرغ للدراسة. ويمكن لكافة الطلبة المنحدرين من دول المنطقة الاقتصادية الأوربية أن يستفيدوا من هذا الأمر، وذلك بحسب المادة الثامنة من قانون دعم التأهيل المهني والدراسي في ألمانيا. وبحسب نفس القانون فإن الأمر يشمل كذلك كل من يتمتع بحق الإقامة الدائمة في ألمانيا وغيرها من الحالات.
الطلبة الجدد يدركون الصعوبات ويواجهونها بالتفاؤل
طبقاً لبيانات الهيئة الألمانية للتبادل العلمي فإن عدد الطلبة العرب في الجامعات الألمانية يتجاوز العشرين ألف طالب. وتحتل المغرب المركز الأول بحوالي سبعة آلاف طالب. وحسب آخر إحصائية للهيئة بلغ عدد الطلبة العرب الذين التحقوا بالجامعات الألمانية في عام 2008 ما يقارب الثلاثة آلاف طالب.
من هؤلاء الطلبة الجدد أحمد، وهو طالب أردني يدرس الماجستير في المعلوماتية في جامعة بون، ويذكر لنا أنه يدرك الصعوبات المالية التي قد تواجهه أثناء دراسته هنا، ولكنه مسلح بالتفاؤل بأنه سيجد عملاً مناسباً يغطي كافة نفقات دراسته، لأنه خبير برمجيات، وقد عمل في هذا المجال سابقاً في بلده الأردن.
جمال من تونس يشاطر أحمد تفاؤله، ويؤكد ثقته في النجاح في ألمانيا. ورغم أنه يقيم في ألمانيا منذ ثلاثة أشهر فقط إلا أنه وجد عملاً في أحد المستشفيات، ويشعر بالسعادة البالغة لذلك، ويؤكد على أن "إتقان اللغة الألمانية جيداً يساعد في الحصول على فرص عمل أفضل".