العالم الإسلامي ينهار، ومن المتوقع أن يسقط خلال عقود بعد نفاد البترول وتصحر أجزاء منه بسبب التغيرات المناخية: هذه هي النبوءة المظلمة التي يعلنها الكاتب حامد عبد الصمد في كتابه الصادر حديثاً بعنوان "سقوط العالم الإسلامي".
ماذا سيفقد العالم لو اختفت الدول الإسلامية من خريطة العالم؟ لا شيء تقريباً، يقول حامد عبد الصمد، ويضيف أن العالم الإسلامي توقف عن الابتكار وأصبح يعيش عالة على الدول المتحضرة، بل وأصبح منطقة تفريخ للتعصب والعنف. ويقول الباحث في جامعة ميونيخ في كتابه الذي صدر بالألمانية والعربية بعنوان "سقوط العالم الإسلامي" إن المسلمين مشدودون إلى الماضي، وعاجزون عن طرح أسئلة المستقبل الصعبة، ولهذا يهربون إلى إنجازات ماضٍ مجيد.
أثار الكتاب منذ صدوره في ألمانيا جدلاً شديداً ما بين مُتَهِم لعبد الصمد بالتسطيح والتعميم وترسيخ صور نمطية، وبين مُشيد بـ"الكاتب الشجاع" الذي وضع أصابعه على مواطن عديدة من الداء، مُطالباً المسلمين بأن يتولوا هم بأنفسهم إصلاح مجتماعاتهم. في هذا الكتاب يعتبر عبد الصمد الإسلامَ جزءاً من مشكلة العالم الإسلامي، أما القرآن فينظر إليه على أنه حجر عثرة في طريق تطور المسلمين لأن سطوة النص القرآني هائلة على المسلمين. وقد تلقى الكاتب عدة تهديدات بالقتل، كما وُجه باتهامات بأنه – وهو ابن إمام مسجد في ريف مصر - يسبح في تيار معاداة الإسلام والمسلمين. حول "سقوط العالم الإسلامي" أجرت دويتشه فيله الحوار التالي مع حامد عبد الصمد:
دويتشه فيله: الأستاذ حامد عبد الصمد - عنوان كتابك، سقوط العالم الإسلامي، يحيل بالطبع إلى الفيلسوف الألماني أوسفالد شبنغلر وكتابه "سقوط الغرب". شبنغلر يعرض نظرية ازدهار الحضارات وسقوطها، ويرى أن ذلك يتم بشكل دوري. لماذا جعلك كتاب شبنغلر تفكر في العالم العربي الإسلامي؟ ما هي أوجه الشبه؟
حامد عبد الصمد: كتاب شبنغلر يبني على نظرية ابن خلدون الذي يقول إن الحضارات مثل الكائن الحي، تمر بمرحلة ميلاد وطفولة وشباب وشيخوخة وموت. شبنغلر كتب كتابه من عام 1911 حتى عام 1918، يعني أثناء الحرب العالمية الأولى وما قبلها. آنذاك كانت الحضارة الأوروبية تمر بمرحلة مادية وعنف شديد، وهو ما نراه الآن في العالم الإسلامي: تحجر وتعصب فكري وعدم مرونة في التعامل مع الآخر. الحضارة الإسلامية كانت مزدهرة في القرون الوسطى لأنها تعاونت مع أصحاب الديانات والحضارات الأخرى، وترجمت الأعمال الإغريقية والفارسية. الآن ينظر معظم المسلمين إلى الغرب في المقام الأول كعدو كافر يجب تجنبه، ولذلك لا يستفيدون من التطور العلمي والتكنولوجي الذي حدث في الغرب، بعكس الحضارات الأخرى في اليابان والصين وتايوان وغيرها من الدول.
أنت ترسم صورة مظلمة لمستقبل العالم العربي وتتنبأ بسقوط العالم الإسلامي كله. ما الأسباب الرئيسية لهذا "الانهيار" في رأيك؟
- الانهيار - بدايةً – هو انهيار فكري ووجداني. التعليم في العالم العربي والإسلامي في مرحلة انهيار شديدة، ولا يقدم للمجتمع ما يحتاجه المستقبل من وعي وفكر وعلم، ويركز التعليم في الأساس على الكراهية للآخر والولاء للوطن والدين. كما أن الحالة الاقتصادية والسياسية متدنية جداً في معظم البلدان الإسلامية.
كثيرون في الغرب يعتقدون أن قوة الإسلام في نمو، بينما أنت تقول إن الإسلام في حالة تراجع وانهيار. كيف تفسر إذاً تزايد سلطة الدين في المجتمعات العربية، وأن أعداداً كبيرة من الناس يعتنقون الإسلام في دول غير إسلامية؟
هناك فرق بين الإسلام والحركات الإسلامية. الإسلام كحضارة هو في مرحلة شيخوخة ولا يقدم جديداً، ولا يجيب على التساؤلات الملحة للقرن الحادي والعشرين. أما الحركات الإسلامية فهي فرقعة ناتجة من قلة الحيلة وعدم القدرة على التنافس مع الحضارات الأخرى على المستوى العلمي والسياسي. أسلمة الشوارع واعتناق البعض للإسلام، خاصة في إفريقيا، ليس دليلاً على قوة الإسلام. القوة في القرن الحادي والعشرين هي قوة العلم وقوة السياسة، والعالم الإسلامي في كلا المجالين لا يلعب دوراً حيوياً في العالم. القرن الحادي والعشرين هو قرن الصين والهند والبرازيل، وطبعاً أوروبا والغرب. نحن فاتنا قطار الحداثة ونجلس على رصيف الأمم ونلوم الآخرين ولا نلوم أنفسنا.
كتابك به تصوير لعديد من مشكلات العالم الإسلامي الذي توقف، كما تقول في الكتاب، عن الإبداع والابتكار وأصبح يعيش عالة على العالم. ما هي المشكلة الرئيسية التي على المسلمين البدء بحلها لكي يتقدموا؟
في المقام الأول تنقية العقول من سموم الكراهية، لا سيما كراهية الغرب، وإصلاح التعليم لجعله أداة للمستقبل. التعليم الآن في مجتمعاتنا الإسلامية هو أداة في يد السلطة لترسيخ الولاء للقائد وللدين، والتعليم الآن يحرض على كراهية الأخر والابتعاد عنه. على التعليم أن يعلم الطلاب كيف يفكرون ويتخذون القرارات بصورة مستقلة، لا أن يكونوا مقلدين أو إمعة. غير أن إصلاح التعليم يعني إنهاء الديكتاتورية، فليس من مصلحة الديكتاتور أن يكون هناك تعليم حديث في بلده. الديكتاتور لا يريد أناسا تفكر، بل أناسا تعيش في ولاء له، لأن الناس لو بدءوا في التفكير فسيتساءلون عن شرعية الحاكم وأحقيته بالحكم.
تقول في كتابك إن المسلم محاصر بالوصايا والنواهي في كل دقيقة من حياته حتى عندما يدخل إلى دورة المياه، وهذا الحصار الديني يقود في رأيك إلى طاعة الحاكم باعتباره خليفة الله على الأرض طاعة عمياء، لأن القرآن يقول: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. ولكن العالم الإسلامي شهد فترة حضارة وازدهار رغم كل هذه الوصايا والنواهي.
هذه الفترة كانت بين القرن الثامن والحادي عشر. العالم الإسلامي لم يزدهر بسبب الإسلام، بل بسبب انفتاحه على الحضارات الأخرى والتعاون معها. معظم علماء المسلمين الأوائل لم يكونوا عرباً، بل كانوا فرساً، أو من أصول مسيحية أو يهودية، أي حدث تلاقي بين حضارات مختلفة أنشأ حضارة جديدة لها ديناميكية جديدة. الآن ننظر إلى الغرب باعتباره كافراً لا نريد أن يكون بيننا وبينه صلة. لقد فقدت الأمة الإسلامية قدرتها على الاستفادة من علوم الآخرين والتعامل بمرونة مع التحديات الحديثة، وانعزلت، وعزلة الحضارات هي المرحلة الأخيرة من انهيار أي حضارة، لأنها تفقد الهواء النقي وتفقد القدرة على التلاقح.
تقول إن القرآن حجر عثرة في طريق تطور المسلمين لأن الإصلاح يبدأ وينتهي بالنص القرآني.
القرآن في حد ذاته ليس حجر عثرة، ولكن النظرة إلى القرآن باعتباره كتاباً يضم دستوراً لحياة الأمم. هذه النظرة خطيرة جداً. لقد حاولت حركات إصلاحية كثيرة تفسير الآيات تفسيرا عصريا، ولكن هذا أمر غير مفيد. المطلوب الآن هو النظر إلى الدين باعتباره شيئاً شخصياً في قلب الإنسان ووجدانه. الدين ليس دستورا وليس قانونا، بل طاقة روحية تساعد الناس على التعامل مع تحديات حياتهم ومخاوفهم، ولكن الدين ليس له علاقة بالسياسة وإصدار القوانين. الدين بهذه الصورة التي يفهمها الناس حالياً هو بالطبع عائق في طريق التطور.
وهذا ما دفعك إلى أن تقول إن الإسلام جزء من مشكلة العالم الإسلامي.
بالطبع الإسلام جزء من مشكلة العالم الإسلامي، لأنه أكبر طاقة محركة للأفكار في العالم الإسلامي. الإسلام لم يسمح بهويات بديلة أن تنمو بجانبه أثناء القرون الماضية. كثيرون يعتبرون الإسلام جزءاً من الحل، أنا أعتبره بالفعل جزءاً من المشكلة.
يعيب عليك البعض استخدام أسلوب الاستفزاز في كتابك، وأيضاً في الحلقات التي قُدمت في التلفزيون الألماني بعنوان "سفاري ألمانيا". هل يصلح الاستفزاز لتناول موضوع حساس مثل الدين؟
الاستفزاز هو بداية للحوار، هو طريقة لعرض قضية ما. هناك قضايا عديدة مسكوت عنها ولا نفتحها، فأحيانا يكون الاستفزاز بداية للحوار. هذا هو أسلوبي، ولكل أسلوبه. لقد رأيت أن المصلحين المسلمين يستخدمون أساليب ناعمة في الإصلاح، ولكن كما نرى لم يغير ذلك من شيء، بل إن الأحوال تسير إلى الأسوأ. فلا بد أن نكون صريحين، حتى وإن استخدمنا الفجاجة أحياناً لكي ننبه الناس ونفتح حواراً صادقاً حول هذه القضايا.
كتابك ملئ بعبارات تثير غضب ملايين المسلمين، وتصدم مشاعر الكثيرين. ألا تخشى العواقب؟
أنا لا أخشى العواقب، أنا أكتب. والكلام من المفروض أنه لا يقتل. إذا رميتك بكلمة، فارمني بكلمة أيضاً ولا ترمني بحجر.