وصول زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى المرتبة الثالثة في الدورة الأولى للانتخابات الفرنسية قد يدفع ساركوزي نحو الخسارة، لكن الخاسر الأكبر سيكون المهاجرون في فرنسا، وأوروبا الموحدة الخائفة على اليورو وعلى اقتصادها.
المخاوف الأوروبية من وصول زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي إلى هذا الموقع سببها مواقف لوبان من اليورو وإصرارها على الخروج من دائرته، وتوجهاتها المعادية للأجانب وللانفتاح على المهاجرين. المستشارة الألمانية انغيلا ميركل اعتبرت تقدم اليمين المتطرف في فرنسا باعثا للقلق كما جاء على لسان الناطق باسمها غيورغ شترايتر الذي استدرك بالإعراب عن اعتقاده أن نسبة الأصوات التي أيدت لوبان سوف تنصرف عنها في جولة الانتخابات الثانية.
وزير خارجية لوكسمبورج جان اسيلبورن من جانبه أنحى باللوم على الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي، فيما ذكر وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت أنه "قلق" إزاء توجهات "المعادين لمجتمع مفتوح ولأوروبا مفتوحة" وأشار إلى وجود هذين الصنفين " في اليمين المتطرف واليسار المتطرف أيضا".
"مخاوف أوروبية مشروعة"
أوروبا تبدو متخوفة بعد وصول مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى المرتبة الثالثة في الانتخابات. DWعربية حاورت د. نوح الهورموزي مدير مشروع "منبر الحرية" في باريس وسألته إن كان يمكن أن تتصدر لوبان المشهد السياسي الفرنسي بما يخيف أوروبا فقال" أعتقد أن تخوف أوروبا فيه نوع من المشروعية، ولكن لا يجب السقوط في نوع من المغالاة والتخوف أكثر مما يجب، ولابد من القول إن صعود الجبهة الوطنية التي تقودها لوبان يؤشر على رفض السياسات التقليدية لليمين واليسار في هذا البلد، ولكن هذا لا يعني أن موازين السياسة الفرنسية سوف تقلب، كما يجدر القول أن ساركوزي قد يقبل بعض طروحات لوبان ليكسبها كحليف، ولكن هذا لا يعني تغييرا استراتيجيا في السياسة الفرنسية".
وعرفت الزعيمة اليمنية البالغة من العمر 43 عاما بأنها كانت توافق أبيها جان لوبان في سياسته ضد الهجرة والمهاجرين، من هنا يتوقع كثير من المراقبين تغيرا في السياسة الفرنسية تجاه ملف المهاجرين لاسيما بعد المناخ الذي ساد البلد عقب جريمة محمد مراح في تولوز قبل أسابيع، وفقا لهذا المفهوم يرى المهاجرون في فرنسا تراجعا في نسبة مكتسباتهم، كما يلاحظون انخفاضا في نسبة الأشخاص المدعوين إلى فرنسا. والى ذلك أشار الهورموزي مبينا أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أوروبا بالإضافة إلى السياسات التي يمكن أن يلجأ إليها ساركوزي ستؤثر سلبا على استقطاب اليد العاملة المهاجرة، وفي موازاة ذلك تركت جرائم محمد مراح أثرا مهما على الموقف الفرنسي الشعبي من المهاجرين.
"الهجرة مرحب بها في فترات البحبوحة، مكروهة في فترات الكساد"
وفي هذا السياق قال الهورموزي:" التركيز على موضوع الهجرة كان وسيلة لوبان وأبيها دائما لكسب أصوات الناخبين، وهناك اليوم نوع من التراجع في استقطاب المهاجرين، وهناك نوع انحسار الانتقال والإقامة في فرنسا، لكن هذا ليس بسبب طروحات جان ماري لوبان بقدر ما هو بسبب الفترة العسيرة التي يمر بها الاقتصاد الفرنسي، فالهجرة مرحب بها في فترات البحبوحة، مكروهة في فترات الكساد" .
لوبين قالت ليلة الأحد مخاطبة أنصارها في باريس "نحن المعارضة الوحيدة في وجه اليسار الفائق الليبرالية، المتخاذل والمناصر للحريات الشخصية". وتابعت "أن معركة فرنسا لا تزال في بدايتها، لن يعود شيء كما كان"، معتبرة أنها "أسقطت هيمنة الحزبين، حزبي المصارف والمال والشركات المتعددة الجنسيات والتخاذل والاستسلام"، في إشارة إلى تغلبها على اليمين واليسار.
وبدأت مارين لوبان العمل السياسي عام 1993 في سن الرابعة والعشرين مرشحة للانتخابات التشريعية في باريس بعدما درست القانون في جامعة أساس في باريس حيث تنشط تاريخيا مجموعات صغيرة من اليمين المتطرف، وواصلت صعودها السياسي بدعم قوي من والدها. تحت شعار الدفاع عن العلمانية، ركزت خطابها على المسلمين، مطلقة مؤخرا جدلا حول اللحم الحلال في فرنسا. وهي تطرح نفسها عادة كمتحدثة باسم "المنسيين" والطبقات الوسطى والشعبية. ويثير تقدم اليمين المتطرف في أوروبا تساؤلا عن وجود رابط له مع تقدم أحزاب الإسلام السياسي في دول الربيع العربي، الهورموزي نفى وجود علاقة سبب ومسبب بين الأمرين.
التقارب بين الشرق والغرب يواجه أخطارا في ظل تقدم القوى الراديكالية اليمينية في الجانبين، ويصف الهورموزي العلاقة بين الجانبين في ظل صعود التيارات السياسية المتطرفة بأنها ستكون مشوبة بالحذر، " لأن كلا من القوتين تحمل أفكارا نمطية خاطئة عن الآخر، وهذا يثير مخاوف من انتكاس العلاقة بين الشمال والجنوب".