بدأت الخميس في باريس محاكمة عدلان هيشور الفيزيائي في المركز الأوروبي للبحث النووي "سيرن" والمشتبه بتخطيطه لاعتداءات إسلامية ضد فرنسا. عودة إلى مسيرة رجل مندمج في المجتمع الفرنسي وذكي يحاكم دون أن يقترف أي عمل إرهابي.
في الوقت الذي لا تزال فيه فرنسا في خضم الجدال وتحت وقع الصدمة بعد اعتداءات تولوز، جاءت قضية جديدة من الإرهاب "على الطريقة الفرنسية" لتزيد الأوضاع تعقيدا. وبدأت محكمة في باريس الخميس النظر في قضية عدلان هيشور الفيزيائي الفرنسي-الجزائري الذي كان يعمل في المركز الأوروبي للبحث النووي "سيرن" والمشتبه بتخطيطه لاعتداءات إسلامية ضد فرنسا. وتم توقيفه في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2009 بمنزل والديه الواقع في الإيزار في فرنسا لاشتباه المخابرات الداخلية الفرنسية بارتباطه بمجموعة إرهابية.
وترتكز الشبهات على مراقبة حساب عدلان هيشور الإلكتروني والعثور على رسائل تبادلها مع شخص يدعى مصطفى دبشي والتي يقدمه الاتهام على أنه مسؤول في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". فمن يقف وراء من يشتبه بكونه الوجه الجديد للإرهاب الإسلامي الفرنسي، وهو دكتور ناجح في فيزياء الذرة لا يزيد عمره عن 35 سنة؟ هل هو أحد رواد الإنترنت الذي وقع في فخ أحد مسؤولي القاعدة والذي على حد قوله لم تكن له يوما نية المشاركة في مشروع يشمل أعمال عنف؟ أو إرهابي تم اعتقاله قبل أن يرتكب ما لا تحمد عقباه؟
"رؤية نقدية عن العالم"
ولد عدلان هيشور في مدينة سطيف بالجزائر وجاء إلى فرنسا مع عائلته التي استقرت في الإيزار عام 1978 وهو طفل عمره سنة واحدة. يحمل عدلان هيشور الجنسيتين الجزائرية والفرنسية ويؤكد والده سعيد هيشور أنه ربى أبناءه على احترام قيم الجمهورية الفرنسية مصرحا لصحيفة "لوجورنال دو ديمانش" في 24 مارس/أذار "لقد حاولت تربية أطفالي الستة على الاستقامة، فقد كنت خائفا عليهم من الانحراف والمخدرات".
وحسب محاميه باتريك بودوان نقلا عن صحيفة لوموند، فإن عدلان شاب مسلم معتدل أظهر باكرا اهتماما بدينه مع "رؤية نقدية للعالم"، وعلى حرب العراق والنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. فندد هيشور بـ "تصرف الحكومات الغربية الذي يظهر كمهيمن"
وفي مطلع القرن 21 تحول هذا الاهتمام بديانته إلى فضول أوسع وبحث في المواقع الإلكترونية التابعة لمجموعات متشددة وهو ما جعل الخلية الفرنسية لمكافحة الإرهاب تغذي الشبوهات بشأنه. وأظهر تحقيق المخابرات الداخلية الفرنسية أن عدلان هيشور كان يتراسل بانتظام بين يناير ويوليو 2009 مع "فونيكس شادو" وهو اللقب الذي يستعمله مصطفى دبشي، أحد كوادر "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وبلغ عدد الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين الرجلين 35. وتبادل عدلان هيشور الذي كان يدرس في معهد "بوليتكنيك" - العلوم التطبيقية - السويسري في لوزان هذه الرسائل من منزل عائلته. وقال والده لصحيفة "لوجورنال دو ديمانش" "كان ابني فضوليا وبسيطا وكلفه ذلك غاليا". فهل وقع فيزيائي "سيرن" في فخ مصطفى دبشي"؟ في كل الحالات، يؤكد عدلان هيشور أنه لم يكن أبدا على علم بهوية مراسله.
"في ما يخص اقتراحك، الإجابة نعم"
وشهد مارس/آذار 2009 تحولا هاما في الأحداث حين اقترح "فونيكس شادو" على عدلان هيشور "تنفيذ عمليات في فرنسا"، فاضطرب الفيزيائي الشاب وتردد وتحدث عن "اختلافات بشأن بعض النقاط الاستراتيجية" ثم كتب عبارات أصبحت فيما بعد محور الاتهام "في ما يخص الأهداف، مثلا: إذا تعلق الأمر بمعاقبة الدولة بشأن نشاطاتها العسكرية في بلاد المسلمين، يمكن أن يكون هدفا عسكريا بحتا على غرار القاعدة الجوية بكران جافريي قرب مدينة آنسي في فرنسا التي تدرب القوات وترسلها لأفغانستان".
وتدعم هذه الرسالة احتمال التخطيط لعملية إرهابية حسب المخابرات الداخلية. أما دبشي، فكان يبدو في انتظار الإجابات على أحر من الجمر. وبعد ثلاثة أشهر، عاد ليحث هيشور على الخطة فكتب له "يا أخي، لن نؤجل الأمر طويلا: هل أنت على استعداد للعمل في وحدة ناشطة في فرنسا؟" فكانت إجابة هيشور غامضة "بخصوص اقتراحك، الإجابة نعم لكن لدي بعض الملاحظات: إذا كان اقتراحك متعلقا باستراتيجية محددة –على غرار العمل داخل دار العدو الأساسي وسفك دم القوات-، يجب وقتها أن أراجع الخطة التي كنت قد أعددتها".
هل من الممكن الحكم على رجل لم ينفذ خطته؟
اكتفت الشرطة الفرنسية بهذه الرسائل لتوقيف الرجل في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2009 وبرر المدير العام للشرطة الوطنية في ذلك الوقت هذا التدخل قائلا "كان من الواجب علينا التدخل لأنه تم اختيار الهدف". لكن محامي هيشور يندد اليوم بهذه القضية فيخشى أن تكون العدالة مشبعة بوقائع تولوز فـ"تسحق" موكله، وصرح المحامي مؤخرا "إنها دعاية أمنية" وأضاف "لماذا رفضت مطالب إطلاق سراحه الـ 15؟ إنه غوانتانامو !".
وعلى أساس بعض الشبهات، قضى هيشور سنتين ونصف في السجن الاحتياطي قبل بداية محاكمته وهو ما يثير العديد من التساؤلات مقارنة بمحمد مراح الذي لم تزعجه الشرطة يوما رغم أن المخابرات الداخلية كانت تراقبه.
ويحضر باتريك بودوان دفاعه عن عدلان هيشور منذ سنتين ملحا على الطابع "الخيالي" لهذه الرسائل فيقول لـ"اكسبريس" الفرنسية "لم يشارك موكلي يوما في شيء حقيقي وملموس". فهل يمكن محاكمة شخص لم يرتكب إثما؟ وما هو ثمن 35 رسالة كره للغرب؟ هذه رهانات هذه المحاكمة التي تنتهي اليوم الجمعة.