مرت 50 سنة على قدوم الوفود الأولى من المهاجرين المسلمين إلى ألمانيا ويعتبر حي "نويكولن" بالعاصمة الألمانية برلين من المناطق التي استقرت فيها الوفود الأولى، وتتجاوز فيها نسبة السكان من أصول مهاجرة نسبا مرتفعة خصوصا العرب والأتراك وهذا يعتبر تحديا كبيرا أمام المسؤولين عن الاندماج.
بين فينة وأخرى يحتل إسم نويكولن حيزا كبيرا في الإعلام الألماني وفي النقاشات السياسية ليست فقط في برلين ولكن في الولايات الألمانية الأخرى. مشاكل الاندماج، إدمان الشباب للمخدرات، العنف في المدارس وضعف مردودية التلاميذ وغيرها من الأمور تشغل بال الإعلامين، السياسيين والمهاجرين والمثقفين على حد سواء.47 بالمائة من أصحاب السوابق من أصول عربية و24 بالمائة من الأتراك.نسبة 45 بالمائة ينقطعون عن التمدرس دون شهادة.
انتقلت الدويتشه فيله إلى احد المقاهي التي تعج بالشباب العرب ووجدتهم ملتفين حول كؤوس القهوة ومنهمكين في الحديث وتدخين السجائر. شباب دون الثلاثين لكل واحد منهم قصة مع الهجرة ومع الإندماج والنجاح والاخفاق. العديدون منهم لازالوا لم يحصلوا بعد على أوراق الإقامة ويعيشون في ألمانيا بطريقة غير شرعية.
مقيمون بطرق غير شرعية
يقول الشاب مجاهد وهو من أصول لبنانية "رغم أننا نعيش هنا لمدة طويلة فليس لدينا عمل . كثيرون ليست لديهم أوراق الإقامة وآخرون لا يسمح لهم بمغادرة برلين". الدويتشه فيله طرحت هذه الحالة على مينغل كوخ مسؤول الهجرة بنويكولن فأجاب"من عاش هنا خمس سنوات يجب تسوية وضعيته القانونية ليكون في مقدوره العمل والسفر بحرية"..."فوز الإسلاميين في البلدان العربية سيزيد الحركات الإسلامية في الغرب قوة".
إلمام ضعيف باللغة
من بين الأفكار التي تروج حول المهاجرين في نويكولن وفي ألمانيا عموما هو مشكلة اللغة. الدويتشه فيله إلتقت كثيرين يتحدثون ألمانية ضعيفة رغم وجود مؤسسات ومدارس لتعليم اللغة الألمانية للاجانب. أحد الشباب يشرح السبب قائلا "صحيح أن هناك دروسا لتعلم اللغة الألمانية لكن من يريد أن يتعمق في اللغة فيجب أن يتحمل بنفسه المصاريف وهذا ليس في إستطاعتنا"، غير أن مينغل كوخ، المسؤول عن الإندماج والهجرة في نويكولن، يقول "أن مؤسسات ومدارس كثيرة تتيح فرصة الإستمرار في التعلم بأثمنة رمزية ومناسبة جدا".
مجتمعات موازية
يلعب المقهى بديلا للأندية. وعن سبب إختيار المقهى للقاء وليس الأندية والجمعيات الثقافية والرياضية يجيب مصطفى شاب سوري " هناك اندية كثيرة لكن واجبات الإنخراط تحول بيننا وبين الذهاب إليها لذا نفضل الإلتقاء في المقاهي نسهر أو نتحدث او نذهب إلى مقاهي الأنترنيت أو ملعب الكرة". وبخصوص سؤال ما إن كان الشباب المسلم يتهرب من المجتمع الألماني ويحاول أن خلق عالما موازيا خاصا به، يجب محمد وهو كذلك إسم مستعار "الألمان هم الذين يتهربون منا. حتى في سوق الشغل ولا يعطوننا فرصا لإبراز طاقاتنا".
سارة نموذج للشباب المثابر
قرب المقهي حيث يوجد الشباب يوجد مخبز لبيع الحلويات والخبز الطازج. المخبز تسيره شابة من أصول تركية تدعى سارة. تقول سارة "الناس في نويكولن منفتحون وإجتماعيون. ما يقوله الإعلام حول الشباب غير صحيح. عندما يقترف عربي خطئا نجد ذلك في الإعلام في اليوم التالي وعندما يفعل الألمان نفس الشيء لا أحد يتحدث عن ذلك". وتضيف سارة" صحيح أن العديد من الشباب يتهربون من العمل فمن يريد عملا سيجده، في كل مكان هناك فرص للشغل، فقط يجب على الإنسان ان يكون صبورا ومجدا".
مشروع أمهات المدينة
يهدف هذا المشروع الذي أطلقه مسؤولو الهجرة في نويكولن إلى تدريب مجموعة من الأمهات العربيات والتركيات العاطلات عن العمل في ميادين التربية، الصحة، الأنترنيت وغيرها من الميادين وتتولى الامهات المستفيدات من التدريب مهمة القيام بزيارات للعائلات وتوعيتها بأهمية المدرسة والتعليم وكذلك الإلمام بالنظام الصحي الألماني والتوعية من الأمراض. وتعتبر جرائم الشرف والإنتقام والزواج القسري من صلب المشاكل التي تسعى أمهات المدينة التوعية بمخاطرها.
بروز واضح لمظاهر التدين
ويضيف مينغل كوخ أن "المشكل الآخر يتجلى في بروز واضح لمظاهر التدين، إزدياد عدد المساجد، نساء منقبات، التيارات السلفية. الألمان يعانون أيضا ليس من دخول أبنائهم للإسلام لكن بسبب دخولهم للإسلام على يد تيارات إسلاموية". ويبلغ عدد المساجد في منطقة نويكولن لوحدها 20 مسجدا أحيانا لا تفصل بين مسجد ومسجد آخر سوى بضعة أمتار والسبب يعود أحيانا إلى إختلاف المذاهب وفي أحيان أخرى إلى الخلافات الشخصية .
ويرى علي معروف منسق المركز العربي الألماني بنويكولن أن مظاهر التدين لدى الشباب "ظاهرة عالمية ونويكولن جزء من هذه الظاهرة والإسلام السياسي يأخذ دوره باستمرار في الحياة العملية". العنف في أوساط الشباب في تزايد ويسجل مينغل كوخ ان "المدارس بدورها تعرف حالات عنف تجاه المعلمين أو بين التلاميذ فيما بينهم أحيانا يأتي الأخ الكبير لينتقم لصالح أخيه، كما نلاحظ أيضا أن الفكر القبلي حاضر بقوة. نجد أحيانا عائلات في عمارة واحدة أو أبناء بلد واحد في نفس التجمع السكني".
اما عن الأسباب الحقيقية وراء العنف المتفشي في صفوف الشباب العربي والمسلم يقول علي معروف" هناك عائلات كثيرة جاءت من بلدان غير مستقرة سياسيا واجتماعيا كلبنان، فلسطين، والمناطق الكردية. وهذا يشكل عاملا نفسيا للميل إلى العنف اللفظي أو الجسدي". ويضيف علي معروف منسق المركز العربي الألماني" نحاول الإنتقال إلى عين المكان في المدارس والتحدث مع التلاميذ ومع الأسر للبحث عن حلول للمشاكل المطروحة. كما نحاول توعية الآباء بأهمية المستقبل المدرسي لأبنائهم".
الإندماج رهين بالعمل المشترك
رغم المشاكل فمينغل كوخ، المسؤول عن الإندماج والهجرة في نويكولن، متفائل بمستقبل الإندماج وبفاعلية المشاريع التي تم إطلاقها. يقول مينغل كوخ "الإندماج في الطريق الصحيح، عندنا مدارس جيدة. فقط في العام الماضي حصل 200 تلميذ على الباكالوريا وعندنا نماذج كثيرة للنجاح في سوق العمل". لكن المشكل الذي يعيق القضاء الكامل على المشاكل يتجلى ، حسب مينغل كوخ، في أن "العائلات بعد أن تندمج بشكل جيد وتستقر ماديا وإجتماعيا تغارد نويكلن على الفور مما يخلق فراغا كبيرا. فالعائلات المتوسطة لا ترضى أن تسكن بين المهاجرين البسطاء".