تواجه القوى العاملة المهاجرة إلى ألمانيا صعوبات كبيرة على طريق الترقي المهني. غير أن فرص المهاجرين آخذة في التحسن بفضل العولمة، مثلما يرى العارفون ببواطن الأمور.
عندما جاء زينغ رونغ ليو قبل عشرين عاماً إلى ألمانيا كان عليه – مثله مثل طلاب أجانب كثيرين – أن يعمل بجانب دراسته لكي يقيم أوده. عمل ليو خادماً في مطعم صيني، وموزعاً للصحف، كما عمل في عدة مطابع ومصانع. "إذا قلت إنه كان عندي خطة، فسوف أكون مبالغاً"، يقول ليو اليوم. واقعياً كانت فرص العمل بالنسبة له في ألمانيا شبه منعدمة، إذ أنه درس علوم التربية والسياسة والأدب الانجليزي، وهي مواد لا تؤهل ليو لكي يعمل في منصب مرموق في القطاع الاقتصادي، كما أن الأكاديميين المهاجرين يواجهون صعوبات خاصة.
"البرهنة على أنني أستطيع ذلك"
وتقول إنغريد يونغفيرت، الباحثة في شؤون الهجرة لدى جامعة هومبولت البرلينية، إن عدد الطلاب الأجانب الذين يحصلون على وظيفة تتناسب مع مؤهلاتهم لا يتعدى الثلث. أما النسبة عند الطلاب الألمان فهي ضعف ذلك. الشيء نفسه ينطبق على الوظائف القيادية والمهمة: فبينما يعمل نحو 17 في المائة من الخريجين الألمان كمديرين ومديرات، فإن نسبة الأكاديميين الأجانب الذين يحققون ذلك لا تتعدى 8 في المائة.
لن يكون غريباً لو كان ليو مازال يعمل في أحد المصانع. غير أن الأمور تطورت على نحو آخر، إذ أن ليو اليوم يعمل كرئيس قسم شؤون العاملين في مجموعة شركات لاكسنيس للكيماويات في ليفركوزن، وهو بذلك مسؤول عن نحو 15 ألف موظف في كافة أنحاء العالم. عندما تولى منصبه قبل سبع سنوات كانت هناك تحفظات عليه، بسبب أصله من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب عمره، إذ كان بسنواته الخمس والثلاثين آنذاك صغيراً بالمقارنة مع غيره. "كثيرون تساءلوا بالطبع: هل سيستطيع أن يفهمنا من الأساس؟ هل سيستطيع أن ينهض بالعمل؟"، يقول ليو متذكراً. "كان عليّ من خلال عملي ومن خلال تعاملي مع الناس أن أبرهن على أنني قادر على ذلك – وهو ما نجحت فيه إلى حد ما."
لا نجاح مهني بدون شبكة اجتماعية
كان طريقاً طويلاً ذلك الذي شقه ليو، ولم يخلُ الأمر من المصادفة. خلال فترة الدراسة كان ليو يدرس اللغة الصينية لمديري مجموعة شركات "باير" للكيماويات. وهكذا سألوه ذات يوم ما إذا كان يريد أن يعمل لشركة "باير" في الصين. هناك كان عليه أن يؤسس نظاماً جديداً للتدريب. وبهذه الصفة قابل عدداً من المديرين الذين اكتشفوا قدراته وشجعوه. وهكذا عُرض عليه أن يتولى قسم شؤون العاملين لشركة "لاكسنيس" التابعة لباير.
القدرات والمهارات المتميزة وحدها لا تكفي إذاً، وهذا شيء ينطبق أيضاً على المهاجرين، مثلما تقول الباحثة الاجتماعية في شؤون الهجرة إنغريد يونغفيرت: "الفيصل هو العلاقات الاجتماعية والحصول على المعلومات المهمة، وهو ما ينطبق على كافة الوظائف التي تتطلب مؤهلات عالية". وتنصح الباحثة المبتدئين بإنشاء شبكة من العلاقات الاجتماعية، مثلا عن طريق العمل في الروابط المهنية.
التوجه الدولي كميزة
إذا استطاع الإنسان اقتناص منصب قيادي، فإن الأصول الأجنبية قد تكون ميزة. "معظم المؤسسات لها علاقات عمل في مختلف دول العالم، وهي لهذا تبحث عامدةً عن موظفين من مختلفي الجنسيات لكي يعكسوا التوجه الدولي للمؤسسة"، يقول زورغه دروستن، مدير الشركة الاستشارية Kienbaum Executive Consultants. بل إن ثلث الوظائف القيادية لدى هذه الشركة يشغلها موظفون من الخارج. غير أن الأمر يختلف تماماً بالنسبة للذين يأتون إلى ألمانيا ليعملوا في وظائف أخرى غير تلك الوظائف القيادية المرغوبة دولياً.
الاندماج كشرط من شروط الترقي
غير أن زورغه دروستن لديه أيضاً رسالة مشجعة لكل الذين يقصدون ألمانيا: في السنوات العشر أو العشرين القادمة ستتاح فرص رائعة. "بسبب الثغرة المتولدة عن النقص الديموغرافي ستكون هناك فرص كثيرة جداً للترقي المهني"، يقول رئيس شؤون العاملين، ويضيف: المهم هو أن يحاول الإنسان أن يندمج في المجتمع، وذلك عبر تعلمه اللغة الألمانية وعبر توسيع دائرة أصدقائه.
غير أن التألق وإجادة اللغة الألمانية وحدهما لا يكفيان لكي يشق المرء طريقه المهني في ألمانيا. هناك نقطة يؤكد عليها ليو دائماً، وهي: يجب على الإنسان أن يكون مهتماً بالبيئة المحيطة به: "بدون مثل هذا الاندماج فإن فرص الترقي في مؤسسة دولية تكاد تكون منعدمة"، يقول المدير في شركة لاكسنيس. ولهذا يعتز ليو أيضاً بالفترة التي عمل خلالها خادماً في مطعم وموزعاً للجرائد: "لقد تعرفت عبر ذلك على نواحي مختلفة كل الاختلاف في المجتمع الألماني – وذلك عبر الخبرة الذاتية المباشرة."